راجانا حمية
استنفد موظفو مستشفى رفيق الحريري الجامعي كل السبل للوصول إلى تسوية عادلة مع إدارتهم. بكل الطرق، حاول هؤلاء إيجاد صيغة مع المعنيين في الإدارة لتحصيل حقوقهم بأقل الأكلاف الممكنة وحلحلة الملفات العالقة منذ أيام المدير السابق الوزير الحالي فراس الأبيض وصولاً إلى «العهد» الحالي في المستشفى، قبل أن يعلنوا أمس إضراباً مفتوحاً عن العمل والامتناع عن تقديم الخدمات الخارجية. وهو إضراب لم يأت بلا سوابق ولم يكن وليد خبرٍ سرّب من الإدارة نقضت فيه اتفاقاً سابقاً بتعويض الموظفين والفنيين بدل أتعابٍ عن ساعات إضافية قاموا بها، وإنما أتى نتيجة تراكمات «عمرها من عمر سلسلة الرتب والرواتب»، على ما يقول أحد الموظفين.
يرجع موظفو المستشفى الحكومي أربع سنواتٍ إلى الوراء، وتحديداً إلى آب 2017 مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام. يومها، رفضت إدارة المستشفى تنفيذ القرار بحجة انتظار صدور المرسوم، وبقيت على موقفها الرافض لثمانية وثلاثين شهراً قبل أن تقرر إعطاءها للموظفين... ولكن بتوصيف مختلف. إذ صرفتها لهم كـ«سلفٍ مالية»، في محاولة للالتفاف على حقوقهم والقانون. ضربت الإدارة بذلك عصفورين بحجرٍ واحد، فمن جهة سمح لها هذا التحايل بالهروب من تسديد «البدلات» للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومن جهة أخرى تضمن أن «أي تقديمات أو محفزات جديدة ستوضع على أساس راتب مجتزأ»، على ما يقول الموظفون المعترضون.
وفي تتمة سيرة سلسلة الرتب والرواتب، ثمة بند عالق بين الإدارة والموظفين، يتعلق بساعات العمل المنصوص عليها في السلسلة وساعات العمل المفروضة على الموظفين. ففيما حدد قانون السلسلة ساعات العمل بـ35 ساعة، لا يزال الموظفون في المستشفى يعملون بنظام ساعات أسبوعي بمعدل 44 ساعة، فيما يداوم الفنيون بمعدل 40 ساعة أسبوعياً. وبعد أخذٍ ورد ونقاشات، اتخذ المدير العام السابق فراس الأبيض قراراً بالتوافق مع لجنة الموظفين في المستشفى بإعطاء بدلات مالية عن الساعات الإضافية، وهي بحسب لجنة الموظفين توازي «63 يوم عملٍ للموظفين و45 يوماً للفنيين».
انتهى «عهد الأبيض»، وانتقلت الإدارة إلى وحيدة غلاييني. حاول الموظفون اختبار النوايا وما إذا كان الاتفاق لا يزال قائماً «وقد جاء الرد بالإيجاب». لكن، ومن خارج التوقعات، سرّب قبل أيام خبر من دائرة شؤون الموظفين بأن «الإدارة لن تتمكن من دفع بدلات مادية لقاء أيام العمل الإضافية، وإنما ستعمل على منحها كإجازات للموظفين والفنيين»، إضافة إلى تأخير الراتب الإضافي الذي أقره مجلس الوزراء للموظفين في المستشفيات. إذ كان من المفترض أن يتقاضوا نصفه أمس، فيما النصف الآخر الشهر الجاري. هكذا، ومن دون تبرير تلك الخطوة، قررت الإدارة في ظل الأزمة المالية التي يعاني منها الموظفون حرمانهم من أبسط حقوقهم ومنحهم بدلات «ترفيه». وقد اعتبر الموظفون هذه الخطوة كافية لإعلان الإضراب وتثبيت مطالبهم الثلاثة: ضم سلسلة الرتب والرواتب إلى رواتبهم والعودة إلى نص الاتفاق ومنحهم التقديمات والمحفزات على أساس الراتب المعدّل، إضافة إلى منحهم الراتب الذي كان قد قرره مجلس الوزراء أو في أحسن الأحوال منحهم مساعدات إلى حين التوصل لحلول نهائية.
لكن، ما يعتبره الموظفون من البديهيات اليوم في ظل ظروف عملٍ ضاغطة وأزمة مالية خانقة تدير له إدارة «الحريري» الظهر، متذرعة في كل مرة بالتعثر المالي، بحسب مصادر الإدارة. لكن، هل يجوز السؤال هنا عمن يتسبّب بذلك التعثّر؟