يوسف دياب
لم يكن دخول «حزب الله» إلى محافظة عكّار في شمال لبنان من باب المساعدات المالية والإنسانية لضحايا انفجار التليل، حدثاً عابراً أو تفصيلاً بسيطاً في يوميات أبناء المنطقة الأكثر حرماناً في لبنان، بقدر ما شكّل؛ بحسب المعترضين على هذه الخطوة، «محاولة اختراق لبيئة معروفة برفضها سلوك هذا الحزب».
وتختلف تفسيرات الفاعليات في عكار حول أبعاد هذه الخطوة، وقدرة الحزب على استثمارها سياسياً وربما أمنياً؛ إذ يعدّ البعض أن ما حصل «مجرّد مبادرة تملأ جزءاً من فراغ الدولة، وتعوّض ابتعاد القيادات السياسية الممثلة للمنطقة عن أوجاع الناس»، فيما يحذّر آخرون من «خطورتها وإمكانية تعزيز حضور الحزب عبر ما تعرف بـ(سرايا المقاومة)، في منطقة ذات حساسية مفرطة بالنسبة له، كونها تقع على الحدود الشمالية، وهي المنطقة الوحيدة المحاذية لسوريا، الخارجة عن سيطرته».
وفد «حزب الله» الذي زار الاثنين الماضي بلدات عكار، قدّم التعازي بالضحايا الذين قضوا بانفجار خزان الوقود في بلدة التليل، كما تفقّد الجرحى والمصابين، وأعلن في بيان أنه «وزّع مساعدات مالية على أهالي شهداء وجرحى انفجار التليل، بتكليف من أمين عام الحزب حسن نصرالله». وأشار إلى أن رئيس «حركة الإصلاح والوحدة» الشيخ ماهر عبد الرزاق (الموالي لـ«حزب الله»)، «يرافقه وفد من بلديات ومخاتير المنطقة، قام بتوزيع 30 مليون ليرة لكل عائلة ضحية في تفجير التليل، و15 مليون ليرة لكل جريح، إضافة إلى مساعدات سوف تتابع مع رؤساء واتحادات بلديات ومخاتير الدريب».
وبخلاف الانطباع الذي يربط الزيارة بالأجندة السياسية التي تتخطّى حدود لبنان، دعا رئيس بلدية إحدى قرى عكار، الذي رفض ذكر اسمه، إلى «عدم إعطاء أبعاد سياسية لهذه الخطوة». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المساهمة المالية هذه لا يمكن أن تغيّر في القناعات السياسية لدى أبناء المنطقة، ولأهالي الضحايا والجرحى الذين أصيبوا بانفجار التليل». وقال: «قناعات الناس لا يمكن أن تتبدل بمبلغ مالي زهيد، والناس حرّة في خياراتها السياسية»، مذكراً بأن «البعض قبض هدايا مالية خلال الانتخابات النيابة السابقة، لكن الذين تسلّموا هذه الهدايا اقترعوا لأشخاص آخرين».
وكشف رئيس البلدية، الذي رافق وفد الحزب في جولته على أهالي الضحايا، عن أن «والدة الضحية ناجي عبد الله استقبلت الوفد في منزلها بكل احترام وتقبّلت التعازي بولدها، لكنها رفضت قبول المساعدة المالية، وأبلغت الوفد وجهاً لوجه بأنها لا تريد مساعدة (حزب الله) أو أي جهة حزبية أو سياسية أخرى ومن دون استثناء»، مشيراً إلى أن السيّدة المفجوعة بخسارة ولدها الوحيد «ترفض مساعدة أي من الأحزاب والقيادات السياسية؛ لأن الجميع مسؤول عن الفاجعة وعن مقتل أولادنا، وهي (القيادات والأحزاب) من أوصلتنا إلى المأساة التي نعيشها». وكشف رئيس البلدية عن أن «الأم الثكلى قالت صراحة: دماء أبنائنا ليست عرضة للبيع والشراء».
ولم تسجّل أي زيارة لوفد من «حزب الله» إلى عكار منذ انتهاء حرب تموز 2006 .
حين عاين يومذاك فريق تقني المنطقة، واطلع على الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي، من أجل تعويض المتضررين، إلا إن هذا التطوّر المستجدّ أثار استياء معظم القوى السياسية والحزبية ذات النفوذ الشعبي، فعدّ نائب رئيس تيار «المستقبل» الدكتور مصطفى علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «(حزب الله) بارع في استغلال جراح الآخرين». ورأى أن الحزب «هو من تسبب بمآسي البلد ويقدّم نفسه اليوم كمنقذ من أجل شراء الناس بالسياسة، ونحن نقول له: (ليتك لم تزن ولم تتصدق)».
من جهته، شنّ النائب والوزير السابق معين المرعبي، هجوماً عنيفاً على «حزب الله»، عادّاً أنه «جعل من لبنان واللبنانيين وقوداً للمشروع الإيراني». ورفض المرعبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إعطاء مبادرة الحزب أي بعد إنساني، مؤكداً أنها «محاولة لتعزيز وجود خلاياه الأمنية التي أسسها في طرابلس وعكّار وفي المناطق الذي تشكّل خط الدفاع في وجه مشروعه». ولم يوفّر المرعبي تيّار «المستقبل» الذي غادر صفوفه في عام 2018، قائلاً إن «(حزب الله) يستفيد الآن من غياب القوى السياسية والقيادات الممثلة بتيار (المستقبل) وغيره، ونتيجة غياب أي اهتمام للحكومات المتعاقبة وتجاهل معاناة الناس». ورأى أن عكار «باتت ساحة مستباحة يستغلّها حزب إيران، لتشكيل خلايا أمنية وتعزيز حضوره فيها عبر ما تسمّى (سرايا المقاومة)». وسأل: «أليست منطقة بعلبك ـ الهرمل توازي عكار في الحرمان والإهمال؟ فلماذا يتجاهلها الحزب ويصبّ اهتمامه على عكار والدخول إليها من باب المساعدات الإنسانية؟».