عيسى يحيى
تتحكّم السوق السوداء بمفاصل حياة اللبنانيين وإحتياجاتهم اليومية، وتطول الطوابير أمام الأفران ومحطات الوقود، في مشهد إذلالي يتكرر صباح كل يوم، وينتظر الناس الجيش اللبناني الذي بدأ دهم المحطات وتفريغ خزاناتها وتوزيعها عليهم، ليبقى الخوف من تكرار مشهد عكار والمجزرة التي حصلت سيد الموقف.
لا محرّمات أو رأفةً بأوضاع الناس تدقّ في قلوب من يعنيهم الأمر من سياسيين أو اصحاب مصالح تُعنى بتأمين حاجاتهم، الكل يسعى لتحقيق مصالحه وأرباحه واستغلال الحوادث التي تجري ليبني عليها موقفاً أو تصريحاً لا يقدّم أو يؤخّر في تخفيف أعبائهم، أو تكديس الأموال على حساب أوجاعهم، متذرعاً بحجج تبدأ بفقدان المازوت أو الطحين ولا تنتهي برفع الأسعار ربطاً بسعر صرف الدولار الذي يتراجع ببطء من دون حسيبٍ أو رقيب لأسعار المواد الغذائية التي تبقى على حالها. دخلت ربطة الخبز في بازار السوق السوداء في بعلبك، واعتمدت بعض الأفران سياسة بيع ربطةٍ واحدة لكل شخص بغض النظر عن عدد أفراد عائلته وحاجته اليومية، يصطفّ الناس منذ ساعات الصباح الباكر أمام الفرن لحجز دور لهم في طابور الذل الذي يحاربهم في لقمة عيشهم، وتدخل الوساطات أيضاً في الكمية المباعة، فإذا كان للشخص الذي ينتظر دوره معرفة داخل الفرن من عمال أو محاسب وما شابه، يأخذ كمية إضافية عن تلك التي حددها الفرن، أو يقوم البعض من أصحاب الأفران وعمالهم ببيع كميات إلى بعض الموزعين أو أصحاب المحال الصغيرة لتباع للناس وفق أعلى سعر، حيث سجلت في بعض الأماكن ربطة الخبز سعر 15 ألف ليرة لبنانية.
وعلى خط الغاز لا تزال الأزمة على حالها، الشركات والمحال التي تقوم ببيع المادة وتعبئتها مقفلة أمام المواطنين إلا من رحم ربي، وفيما وصل سعر القارورة إلى مئة وخمسين ألفاً، يعمد بعض أصحاب المحال إلى الإمتناع عن التبديل والاشتراط على الناس شراء القارورة كاملةً لتحقيق أرباح خيالية حيث وصل سعرها إلى 500 ألف ليرة لبنانية، ولأن الشركات في بعلبك مدينة الهرمل لا تزال مقفلة بإنتظار إرتفاع الأسعار، يقصد معظم الأهالي من المدينة بلدة دير الأحمر لتعبئة الغاز حيث تتواجد شركة للتعبئة هناك، غير أن اللافت هو تهافت النازحين السوريين ومزاحمتهم في تسجيل الدور وتحصيل ما أمكن من غاز وخبز وما إلى ذلك.
مصادر بعلبكية أبدت ارتياحها عبر "نداء الوطن" الى خطوة الجيش اللبناني الذي بدأ منذ يومين بعمليات الدهم لمحطات الوقود وتفريغ مخزونها، سواء عبر توزيعه على الناس من دون بدل مادي، أو عبر بيعه وفق السعر الرسمي. وشددت المصادر على أن عمليات الدهم يجب أن تعمّم على كافة المنشآت الحيوية التي تؤمن حاجات المواطنين، كشركات الغاز والمحلات والصيدليات والأفران، وتوقف عملية الإستغلال التي يتعرّضون لها، وأضافت أنه "ونتيجة عدد من عمليات الدهم تبين وجود مخزون من المازوت والبنزين في أغلب المحطات التي تمت مداهمتها، ولكن ما إن يغادر عناصر الجيش اللبناني المحطة تاركين صاحبها يبيع المخزون للمواطنين حتى يعود ليتحكّم بالكمية المباعة، حيث وصل الأمر ببعضهم إلى البيع بعشرين ألف ليرة لبنانية لكل مواطن". وتوقفت المصادر "عند تخدير الشعب لا سيما أبناء المنطقة وعدم انتفاضتهم على الواقع الذي يعيشونه، وكأنّ الأزمة لا تمرّ من المدينة أو المحافظة بأكملها"، وسألت "عن تنقّل المشاكل والأحداث الأمنية التي تحصل جرّاء التقاتل على البنزين وغيره، وكيف بالحال إذا وصلت لمنطقتنا والأمن فيها على كف عفريت، وإذا وقع حادث أمني لا تنتهي مفاعيله فكيف بسقوط ضحايا"؟ وكان الجيش اللبناني نفّذ أمس عدداً من عمليات الدهم لمحطات وقود في بعلبك وأجبر اصحابها على بيع مخزونها ووزّع بعضها على المواطنين مجّاناً، حيث إمتدّت الطوابير لعدة كيلومترات على أمل أن يملأوا خزّانات سياراتهم بعد توقف عدد من المحطات عن البيع خلال الأيام الماضية.