عماد مرمل
إنه الانهيار المخضّب بالدم في أسوأ سيناريو للارتطام. كأنه لا يكفي اللبنانيين المحكومين بعقوبة «الاشغال الشاقة» عذاباتهم اليومية في كل المجالات، حتى أتى انفجار عكار ليمنح معاناتهم بُعداً تراجيدياً، امتزجَ فيه جمر الفقر برماد الاجساد المحترقة، فكانت «التليل»..
اذا كانت نكبة عكار قد صدمت أصحاب الضمائر الحية، فليس معروفاً بعد ما اذا كانت قد أيقظت «الضمير المستتر» للطبقة السياسية التي تواصل مُماحكاتها فوق أشلاء الضحايا.
من حيث المبدأ، يُفترض ان تشكّل المأساة العكارية دافعاً الى اختصار مراحل «اللتّ والعَِجن»، والتعجيل في إنجاز الحكومة التي لم يعد هناك ما يبرر تأجيل ولادتها بعدما صَغرت الحقوق والصلاحيات امام أوجاع أولئك الذين تُخاض بأسمائهم المعارك السياسية والدستورية، فهل تولد الحكومة «على الحامي» بعدما تعذّر ذلك خلال الاشهر التسعة السابقة؟ وهل أصبح أسهل على المعنيين الآن تبادل التنازلات تحت غطاء الدخان الذي تصاعد من بلدة «تليل» المنكوبة؟
انّ صدمة كارثة عكار معطوفة على سَيل الأزمات الاجتماعية المتدحرجة، تستوجب حُكماً إصدار مراسيم الحكومة خلال هذا الاسبوع، وإلّا فإنّ الوضع العام قد يفلت شيئاً فشيئاً من السيطرة ويدخل في طور الفوضى الشاملة، وفق ما حذّر أحد المسؤولين في مجلس خاص.
وفيما تستمر التحقيقات لمعرفة ملابسات انفجار خزان الوقود، يقول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ»الجمهورية» انّ «انفجار عكار يوضَع بالدرجة الأولى في خانة المهرّبين الذين سبق لي أن حذّرتُ من خطرهم»، لافتاً الى انّّ نصف كميات المازوت والبنزين تقريباً يذهب إلى سوريا، «وأخيراً أنفقنا خلال فترة قصيرة نحو 800 مليون دولار على دعم هاتين المادتين، لكنّ غالبية المخزون تم تهريبه الى ما وراء الحدود».
ويدعو جنبلاط الى التعامل مع انفجار عكار انطلاقاً من هذه الزاوية في شكل اساسي، معتبراً «انّ الهجوم الذي حصل على منزل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي غير مبرّر وغير مفهوم».
ويؤكد رئيس «التقدمي» انّ «المهرّبين لا دين لهم ولا طائفة وما يحرّكهم حصراً هو الجشع والطمع، ويجب عدم تسييس او تطييف هذا الملف الذي يضم منتفعين من طوائف عدة»، متهماً معظم شركات النفط بأنها «متواطئة مع هؤلاء ومتآمرة على البلد».
ويلفت جنبلاط الى «انّ الحل الوحيد والجذري لمعاناة اللبنانيين على مستوى المحروقات يكمن في اعتماد السعر الجديد بعد قرار حاكم مصرف لبنان برفع الدعم كلياً، على أن يترافَق ذلك مع إطلاق آلية البطاقة التمويلية الضرورية وفق معايير البنك الدولي، الى جانب تطوير النقل العام وتعميميه في المرحلة المقبلة».
ويعتبر جنبلاط «انّ من شأن اعتماد السعر الجديد للبنزين والمازوت ان يمنع الفوضى و»يُرَكلِج» السوق»، متوقفاً عند «الموقف المتقدم للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي هاجَم للمرة الأولى ربما المهربين الى سوريا، ولكن وقف التهريب لا يمكن أن يتم عملياً ما دام لا يزال يوجد فارق في الأسعار بين البلدين».
ولدى سؤاله: كيف يعلّق على مطالبة الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع باستقالة رئيس الجمهورية ميشال عون لعد حادثة عكار الدامية؟
أجاب جنبلاط معلقاً على هذا الطرح، مؤكدا انه لا يوافق عليه، ومتسائلاً: «ما دَخل انفجار عكار باستقالة عون؟ لا أفهم». ويضيف: «يجب عدم تضييع البوصلة، العدو يكمن في أصحاب شركات النفط والمستوردين الذين يخزّنون ملايين الليترات من المحروقات في الاراضي اللبنانية، إذ انّ الجزء الذي انفجر في عكار لا يشكل سوى نسبة قليلة من مجمل المخزون المُخبّأ في كثير من الأماكن الأخرى».
ويشدد جنبلاط على أنّ مأساة عكار ينبغي أن تدفع في اتجاه التعجيل في تشكيل الحكومة بعيداً من اي حسابات ضيقة تجاوزتها الأحداث، لافتاً الى انه من جهته ليس متمسّكاً بأي حقيبة وزارية، «بل أنا مُسَهّل حتى أقصى الحدود الممكنة».