الشاعر هنري زغيب
البيتُ يحترق، وذَوُو البيت المعنيُّون مشغولون بتقاسُم الأَثاث والغُرف.
البيتُ يحترق، وذَوُو البيت منهمِكون بتحاصُص وزارتَي الداخلية والعدل، وتوزيع الحقائب على الطوائف، والتحايُل الـمُتَثَعْلِب لبلوغ الثلث المعطِّل سافرًا أَو مقنَّعًا.
البيتُ يحترق، والأَبطال الرائعون في جيش لبنان والدفاع المدني والصليب الأَحمر يبذُلون جهودًا هِرْقِليَّةً لإِنقاذ الأَهالي، والمسؤُولون يتربَّص واحدُهم بالآخر في عَدِّ الزيارات المكُّوكية إِلى بعبدا، أُولى، وثانية، وثالثة، وغدًا الإِثنين رابعتُها، وليسوا مستعجلين إِلَّا لتحقيق حصَصهم ونياتهم وعنادهم الكيديّ وتصلُّب النَكَد السياسي.
آلاف الكيلومترات المربعة رمَّدَت بين القبيَّات وأَكْروم وعندْقِت وعكَّار العتيقة وجبل عُودين وجرود الهرمل وسائر تلك المناطق الشمالية والبقاعية الغالية على قلوبنا، والمسؤُولون المعنيون غيرُ معنيين إِلَّا بــ"دومينو" تشكيل الحكومة ودراسة التشكيلة والتعمُّق في الأَسماء والحقائب وتجنُّب ما قد يكون فيها من أَفخاخ.
ما الذي بعدُ يقالُ في هذه السُلطة الفاشلة الهاشلة؟ أَيُّ شتيمة لم تنزِل بعدُ على أَهل هذه الدولة القاصرة الفاجرة التاجرة؟ أَيُّ لعنة لم تنصَبَّ بعدُ على هذا الطقم الحاكم الـمُداوِر الـمُناوِر؟
ماذا يقال في مسؤُولين إِذ تفاجئُهم الكارثة يطرَحون الصوت على الدوَل مستغيثين طالبين النجدةَ السريعة، فَتَتَصَدَّق الدوَل علينا مرةً بطائرات إِطفاء، مرةً بطائرات كساء، مرةً بطائرات غذاء، مرةً بطائرات دواء، مرةً بهبَات استجداء، مرةً تلبيةَ استعطاء؟
أَيَّ شعبٍ شحَّادٍ يتيمٍ حوَّلَتْنا هذه الدولةُ العقيمةُ الرؤْية؟ عندنا لإِطفاء الحرائق ثلاثُ طوَّافات سيكورْسْكي منذ 2014 رابخةٍ في المطار تحتاج صيانةً، ولم تأْبه هذه الدولة لصيانتها ارتقابًا للحرائق، ولبنانُ مساحاتٌ خضراءُ تلزمها صيانةٌ وتهيئةٌ متأَهِّبة كل يوم.
حتى الأَيتامُ يجِدون مَن يُؤْويهم، وها نحن شعبٌ يتَّمَتْه سُلطتُه ويَبحث عمَّن يُؤْويه لأَن سلطته مشغولة عنه بطموحاتها السياسية وحساباتها الرئاسية والنيابية والوزارية وپوانتاجاتها الانتخابية.
الحكْم الصواب حكْمة ارتقاب. فأَين الحكْم عندنا من هذَين الصواب والارتقاب؟
ماذا فعلَت الدولة حيال أَكبرِ حريقٍ في أَحراج الصنوبر والزيتون حلَّ كارثة على ثروتنا الحُرجية ككارثة انفجار المرفأ، غير أَن تُشكِّل الدولةُ لجنةَ تحقيق سوف "تَدْرُس" إِن كان الحريق مفتعَلًا أَو طبيعيًّا؟ ماذا فعلَت الدولة غيرَ البكاء والاستجداء والادِّعاء بأَنها دولة منكوبة مغلوبة مسلوبة؟ ماذا فعلَت غيرَ أَن تبحثَ في جنْس رفْع الحصانة ومشروعيَّتِه وقانونيَّتِه ودستوريَّتِه، والبلادُ جوع وخوف وغياب محروقات ورغيف ودواء؟
4 آب آتٍ بعد ثلاثة أَيام. الغضَبُ الهائلُ آتٍ بعد ثلاثة أَيام. وأَهل الحكْم المعتقدُون أَنها عاصفةٌ وتَعبُر، وأَيامٌ وتَعبُر، وفترةٌ تَعبُر مهما تمدَّدَت ليَعودُوا كما بالأَمس يرتادُون المقاهي والمطاعم والأَماكن العامة بين الناس فيَتَعَنْتَرُون سُلْطَويًّا ويَتَطَاوَسُون شعبَوِيًّا، لا يعرفون بأَنهم لن يستطيعوا اليوم، ولا في أَيِّ يوم بعد اليوم، أَن يخرُجوا على الناس، بل سيبْقَون في جُحُورهم مختَبئِين مذعُورين مكروهين منبوذين، لأَن شعب لبنان انقلَبَ عليهم وسوف يكون مصيرُهم مُرمِّدًا أَكثرَ من حريق الهرمل وعكار، ومدَمِّرًا أَكثرَ من زلزال 4 آب الذي سيكون على أَهل الحكْم في لبنان كابوسًا نهاريًّا يلاحقُهم بلا رحمة.
يا خجَلَ لبنان الوطن الخالد من سُلطةٍ فاشلةٍ تُدير، على صورتها، دولةً فاشلة.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا