النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
سيُطِلَّ فجر الرابع من آب أرعن لا يهتدي كما يقول الشاعر، ولن تُطلّ الحكومة قبل ذلك، على ما قال الرئيس المكلّف الذي لا أحسده على وقوعه في شبكة البلادة الوطنية والعقم السياسي والصفاقة العاطفية، إذ كيف يطيب لأحد مقام ولمّا تزل بيروت تلعق دماءها، وتبكي أبناءها، وتبحث عن الحقيقة في متاهات الضباب، فيما يبقى الحكم شاغراً ومشرّع الأبواب للهوى والهواء والصلافة الرعناء، على مدى عام مرشح للتمديد بعد أن ذهب بنا حُسن الظن أنّ استقالة حكومة الرئيس دياب إشارة أخلاقية لضرورة تشكيل حكومة فوراً تكون على مستوى الكارثة، ولكن مع الأسف كانت مناسبة يلذَّ فيها الفراغ ويصفو الشراب ويؤول الحكم إلى دائرة الندامى.. فإلامَ.
أوجه في هذه الصبيحة رسالة إلى دولة المكلّف الرئيس نجيب ميقاتي، آملاً ألا تكون محل امتعاض كما حصل لسابقتها، رغم أنني أغمس لاذع الكلام بطبقة سميكة من حلاوة الصداقة والصدق، متأملاً أن يكون قولي كشكة الإبرة توجع فوراً لكنها تشفي بعد حين. ولقد وعدت الرئيس النجيب بأنّني سأغنّجه على طريقتي، وهو الذي لم يغنّجني قط، وها أنا منجز ما كنت واعده لأعلن له ولكم أنني أتمنى له النجاح من صميم، لأن الحسابات السياسية أمر، والحسابات الوطنية أمر آخر، وعلى هذا فإن نجاحه في تشكيل حكومة جديدة -وهو موضع ريبة حتى الآن- يعني فتح نوافذ عديدة لتبديل الهواء الآسن المثقل بآزوت العناد والكيد، والسماح للأوكسيجين بالسريان إلى انسداد التنفس، وعودة الدواء إلى الصيدليات، وقبس من نور تمنحه إيانا المولدات الخاصة.
وتشكيل الحكومة يعني لي أيضاَ، كمواطن في طرابلس، إدخال الاستقرار إلى جوّ ممغنط فقد فيه الناس التوازن والتبست عليهم شؤونهم، واصطفوا في طوابير متشاحنة بحثاً عن نقطة بنزين، فوجود رئيس حكومة من المدينة يضفي عليها وقاراً يصد المتلاعبين بأمنها واستقرارها، على أمل إعادة وضعها على خريطة الإنماء.
فإذا انتهيت من فقرة الدلال، انتقل إلى العتب وأقول لك رغم أن كثيراً خالفني الرأي، إن مقابلتك يوم الخميس كان يمكن تلافيها، لأن العرب تقول: من أكثر أهجر... ولقد أكثرت في التصريح، وبالغت بالتفاؤل، ولم تدلّنا على خطوط الرجعة فيما إذا خاب فألك كما خاب قبلاً عند سابِقَيْك، فكيف ستعلّل فشل ما عللتنا به بعد ذلك، إضافة إلى أن إطلالتك إن لم تكن إطلالة حزن وعزم مفضٍ إلى السعادة، فأنت لست بحاجة لتقديم مستخلص إخراج قيد لمن يعرفونك، ولست بحاجة للدفاع عن نفسك من تهم السيدة غادة عون، فالمحامون في هذا أكثر مهارة من أبي ماهر، كما أنك لم تكن مضطراً للكلام عن كرة النار، فقد تحدث عنها قبلك العماد عون عندما قبل تشكيل حكومته العسكرية، خاصة وأن كرة النار تلك أصبحت على وسع الملعب اللبناني والعواطف والغابات، والبيوت والمستشفيات، فلتكن إذن مروّض اللهب، ومطفىء الكرة لا طُعماً لها أو ضحية من ضحاياها، لأنك لم تستطع أن تنأى بنفسك عنها أثناء إجازتك فهي مدركة لك وإن خلت أن المنتأى عنها واسع، وأنت متلقّف لها بالرضا وبالسليقة.
أختم الرسالة فأذكرك أنني مواطن لبناني متقاعد، بريء من شبهة استيزار أو رغبة اللعب بالنار، فأناشدك أن تعطي وزارة العدل حقها فتخرجها من دائرة الكيد إلى وظيفتها كضمير للجمهورية، وصلة الوصل الوحيدة بين القضاء وباقي السلطات، والمرجع المؤهل لإعادة الرصانة إلى جسم قضائي تستشري فيه أعراض خطيرة، فليكن للعدل إذن وزير صارم بسّام، حازم وهمام دقيق وخبير، أو فلتكن لها وزيرة بالصفات ذاتها، بعد إضافة تاء التأنيث، أو الألف المقصورة عند الاقتضاء.
دولة الرئيس:
العَيْنُ تٌبْصرُ ما منها دنا ونأى
ولا ترى نفسها إلا بمرآةِ