غادة حلاوي
تبدي مصادر مواكبة لمفاوضات تشكيل الحكومة أسفها للاجواء المتوترة التي بلغتها مراحل تشكيل الحكومة بعد ان كانت الجهات المعنية أحرزت تقدماً كبيراً على مستوى توزيع الحقائب، ووضعت تشكيلة شبه مكتملة لولا ظهور عقدتي الوزيرين المسيحيين، ورفض رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل رفضاً مطلقاً لأن يسميهما الرئيس المكلف سعد الحريري، كما يرفض منح الثقة لحكومة برئاسة الحريري، الذي يرفض بالمقابل منح باسيل ستة وزراء، بينما يصر على حجب الثقة عن الحكومة. حجب لا يرضي سعاة الخير والمساعدين بتشكيل الحكومة ممن استنفدوا طاقاتهم وانهكوا دون نتائج مرجوة.
بعيداً من الحقائب والاسماء فالبلد عالق عند خلاف الى حد العداوة بين رئيس مكلف أقسم اليمين على الّا يلتقي باسيل ولو خرب البلد، ورئيس تيار سياسي أقسم اليمين على الّا يكون الحريري رئيساً للحكومة ولو انهار البلد. وعلى ضفة عنادهما احتار رئيس مجلس النواب واستنفد كل ارانبه، ورغم ذلك لا يزال صابراً على المر تلافياً لما هو أمرّ.
خلال اليومين الماضيين ابلغ الحريري غالبية من حوله رغبته الجدية بالاعتذار، نصحه المجلس الشرعي ورؤساء الحكومات السابقون بالتريث، بينما وعد بري بأن يكمل الثنائي الشيعي مساعيه التي لا يرفضها الحريري ولكنه طالب بوضع سقف زمني كي لا يطول الانتظار. صارت المسألة استنزافاً للوقت وقراره هذه المرة لم يأت من باب المناورة بل ان الرئيس المكلف يجد نفسه مطوقاً وحبل التكليف يضيق على خناقه، وسط كومة من الصعوبات وانسداد الأفق الاقليمي والدولي تجاه لبنان وهل يمكن ان يبقى منتظراً نتائج مفاوضات اقليمية ودولية قد تطول لعام وأكثر قبل أن يبدأ لبنان تلمس نتائجها. قال الحريري ايضاً انه وضع نفسه أمام خيارات عدة وهو الذي لمس عن قرب انقساماً داخل الطائفة السنية، ما بين الناصح بالاعتذار والراغب باستمرار المحاولة وثالث ينصحه التصعيد حتى نهاية العهد. لكل وجهة نظر حساباتها وخلفياتها وخصوصياتها. ينصت الحريري وعينه على سيد عين التينة حيث لن يكون اي قرار من دون مشورته وبالتنسيق معه وقد عبر عن ذلك بصراحة، مثبتاً شرعيته برعاية أعلى مرجعية روحية في طائفته.
ليست المرة الاولى التي تُلبس دار الفتوى عباءتها للرئيس المكلف. لكنها هذه المرة سيّجت تكليفه وحالت دون اعتذاره، بعدما أحال اليها مخاوفه وخياراته منبهاً الى ان البلد يدنو من الانهيار. بحضوره اجتماع المجلس الشرعي في دار الفتوى كرس الحريري نفسه رئيساً مكلفاً ترعاه المرجعية الأعلى في طائفته كزعيم سياسي للسنة، وفي حال الاعتذار فمرجعية الطائفة الدينية رفعت مظلتها وأوصدت ابوابها امام اي مرشح محتمل لرئاسة الحكومة خلفاً له، ليقطع بذلك الحريري الطريق على إمكانية ان يسمي بديلاً عنه في حال اعتذاره.
خطوة الحريري باللجوء الى دار الفتوى لم ترُق للبعض ممن تساءل عن الخيارات التي يمنحها الاستنفار السني للرئيس المكلف سوى تصعيب المهمة عليه ومن يأتي بعده؟ اختلفت أجواء اليومين الماضيين عما كانت عليه من قبل وتعقّد تشكيل الحكومة وصار مستحيلاً. ما يفرض عليه حسم خياراته بعدما ضاق باب المناورة ودخل الجميع مرحلة البحث عن بديل، او اقله عن مرحلة ما بعد اعتذار الحريري.
تؤكد مصادر بيت الوسط ان الحريري وللمرة الأولى يضع أمامه كل الخيارت المتاحة وهو كان صريحاً بذلك أمام اجتماع المجلس الشرعي في دار الفتوى، قائلاً ان العين على البلد المتجه نحو الانهيار بلا أفق لتفاديه الا في حالة تشكيل الحكومة وليس اي حكومة، بل حكومة بمواصفات معينة تستجلب دعماً خارجياً و"اذا لم يتوافر هذا الخيار فلا أفكر بالاستمرار". كان هذا جوهر النقاش الذي طرحه الحريري ويطرحه مع كتلته النيابية ومسؤولي "تيار المستقبل".
يمكن التأكيد ان الحريري ولولا التزامه برأي من حوله لكان بحكم المعتذر اليوم. داخلياً لم يعد للحريري غير رئيس مجلس النواب كمظلة داخلية تحميه بعد ان ضاقت سبله وسدت كل منافذه الخارجية، بما فيها الجانب الفرنسي الذي لم يغفر له بعد رفضه الزيارة للقاء يجمعه مع باسيل برعايته.
وعتبه على "حزب الله" يزيد مع تزايد العقبات لاعتباره ان "حزب الله" بإمكانه لو اراد ان يضغط على العهد وباسيل في سبيل التنازل لتشكيل الحكومة، ومثله يفعل باسيل الذي يلاحظ كيف يتغاضى عن رفع سقف انتقادات نواب تكتله في مواجهة "حزب الله"، حتى ليظن البعض ان "التيار الوطني الحر" يجترح الحجج لاعلان انفصال سياسي عن "حزب الله" يطلق له العنان لخوض انتخاباته حراً طليقاً. غير ان "حزب الله" ليس بوارد لا الطلب من الحريري الاعتذار ولا الضغط على باسيل من دون ان يحول ذلك دون استكمال المساعي.
هي أزمة مفتوحة في حالتي اعتذار الحريري او استمراره رئيساً مكلفاً ولو حتى آخر العهد، مع إمكانية توقع الاسوأ من السيئ بعد.