غادة حلاوي
باستثناء الرئيس المكلف سعد الحريري، بات جميع المعنيين بالملف الحكومي أقرب الى تبني السير بفكرة الحكومة من 24 وزيراً لكل منهم حقيبة واحدة لا أكثر وتقسم على "ثلاث ثمانيات". يميل رئيس مجلس النواب نبيه بري الى هذه الصيغة وشرطه لاطلاقها ضمان موافقة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتخلي عن الثلث المعطل. في اعتقاد متبني هذا الطرح ان حكومة 18 لن تفي بغرضها في ظروف حالكة الصعوبة يستحيل معها تولي وزير واحد حقيبتين. في الوقت الضائع تتطاير الارقام المتعلقة بشكل الحكومة، وتطرح الافكار التي لم ينضج أي منها بعد. ضمنياً بات اكثر من طرف معني، على قناعة ان ملف الحكومة ان لم ينضج خارجياً فلن نشهد له قيامة محليا. وحدها فرنسا ترفع الصوت بالتهديد والوعيد ولا تجد من يأخذ كلامها على محمل الجد.
يترنح الملف الحكومي بين حدين، الاول اعتقاد الرئيس المكلف سعد الحريري ان الرئيس ميشال عون انما يسعى لجره الى الاعتذار، والثاني اعتقاد عون ان الحريري يتمنع عن تشكيل الحكومة افشالاً للعهد. وتحت سقف هذا الخلاف باءت كل المبادرات المطروحة بالفشل بما فيها تلك التي سعى اليها البطريرك بشارة الراعي. أما "حزب الله" فيستشف مرونة من عون في ما يتعلق بالثلث المعطل، وفي اعتقاده أنّ "حكومة من 24 وزيراً تمثل حلاً مرناً للخروج من المراوحة، يرفضه الرئيس المكلف لاسباب داخلية ربما تكون متصلة بتهربه من تحمل اعباء الازمة المتفاقمة او رهانه على رضى سعودي صعب المنال".
وعلى هذا الأساس، يضع "حزب الله" الكرة في ملعب الرئيس المكلف "لا سيما بعدما أبدى عون استعداده للتسوية"، ويرى توسعة الحكومة "مفتاحاً لحل العقد يميل اليه الجميع باستثناء الحريري"، ولو ان النقاش في تفاصيل اي توسعة قد يدخل النقاشات في زواريب التوزيع الطائفي لا سيما على المقلب المسيحي، وليس بعيداً ان نشهد خلافاً مستجداً، خصوصاً ان الصيغة لم تعرض على عون بعد.
محركات "حزب الله" كما غيره توقفت راهناً عن البحث الحكومي بتفاصيله، وزيارة رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" محمد رعد الى عين التينة هدفها الاساس وضع بري في اجواء زيارته الى روسيا وما نتج عنها، وليس محصوراً طبعاً بالملف الحكومي. فالحكومة لا تتألف في موسكو رغم كونها كانت حاضرة من جملة المواضيع التي جرى بحثها.
يعتبر "حزب الله" ان زيارته شكلت محطة لزيادة التواصل مع روسيا وهي تؤشر الى تقدير لأهمية دوره في لبنان والمنطقة. اجتمع "حزب الله" والروس على عدوهما الاميركي المشترك والذي يعتبرانه "يحرك ملف الارهاب متى استنفد كل اساليب المواجهة او أحكم حصاره الاقتصادي كما هو حاصل في لبنان وسوريا". الاستحقاقات المقبلة تتطلب مزيداً من التشاور بين الطرفين في اطار من الاستراتيجية المشتركة تتجاوز مسألة تشكيل حكومة ولو احتلت حيزاً من البحث المستفيض. يحرص الروس على استشارة "حزب الله" والوقوف على رأيه في ملفات سوريا واليمن والمفاوضات الايرانية - الاميركية وتتعاطى موسكو معه كقوة اقليمية في وقت تضعه اميركا على لائحة العقوبات. لـ"الحزب" مقاربته لما يجري في المنطقة، يهتم لمسألة العلاقات مع الشرق "وانعكاساتها ومعالمها الكبرى التي لا شك ستظهر تباعاً على لبنان اذ لا يمكن للبنان ان يبقى بمنأى عن الاتفاقية الموقعة بين ايران والصين والعلاقة الايرانية - السورية".
تعقيدات المنطقة لا تمنع "حزب الله" من الايمان بأن تشكيل الحكومة مرهون بارادة محلية متى توافرت، ويلتقي معه رئيس "الحزب الاشتراكي" وليد جنبلاط على قراءة مجريات الاحداث، وهو تلقف الدور الروسي الكبير في المنطقة وقرأ موازين القوى في الاقليم، فدعا الى تسوية ويصر عليها ويتحرك في اتجاه تسهيل انعقادها، مركزاً بالمقابل على اعادة ترتيب بيته الدرزي الداخلي فلا يمانع بمنح حصة للنائب طلال ارسلان في الحكومة، وهو يركز على ازالة ما تبقى من تداعيات ملف بشامون وغيره من الملفات العالقة بين الطرفين. ميزة جنبلاط قدرته على التصرف متحرراً الا من حسابات طائفته، ولذا فحين وجهت اليه دعوة لم يمانع في زيارة رئيس الجمهورية رغم كون الزيارة اغضبت الحريري. التواصل الحكومي المتبقي ولو بخجل لا يزال على خط عين التينة - بيت الوسط وكليمنصو. يستعجل بري وجنبلاط الخروج من حكومة 18 ويحاولان الاتفاق على ذلك مع الحريري. لكن تركيز بري قبل اطلاق اي مبادرة هو على ضمان موافقة كل الاطراف، وإلا فلن يغامر بالمبادرة، ولذا تحرص اوساطه على التوضيح أن لا مبادرة لديه بعد، بل هي وجهة نظر قابلة للبلورة، فهل سيجد المعنيون بالتأليف أنفسهم مضطرين إلى التلاقي أم تبقى الحكومة الجديدة حبيسة الرهان على الخارج؟