ألان سركيس
بات واضحاً أن هناك قراراً عربياً ودولياً وتدخّلاً سريعاً من أجل منع لبنان من الإنزلاق إلى الفوضى ونار الحرب الأهلية على رغم تهديد البعض بإشعالها.
ليس من باب الصدفة أن يتزامن التحرّك السعودي مع تحرّك أميركي وأوروبي واسع نهاية الأسبوع الماضي، فاللاعب السعودي يُعتبر على طلاق مع الواقع اللبناني منذ عام 2015، حينما قرّر وزير الخارجية في حكومة الرئيس تمام سلام جبران باسيل النأي بنفسه عن التضامن مع المملكة بعد الإعتداء على سفارتها في طهران.
ولو كانت السعودية فعلاً تريد معاقبة لبنان لكانت ضغطت لسحب ودائع السعوديين من النظام المصرفي اللبناني، لكن الرياض ما زالت تراقب الوضع من بعيد وتبدي غضباً شديداً على القيادة اللبنانية مجتمعةً، حتى الذين يصنّفون في خانة الحلفاء، وبالتالي فإن الرياض باتت تفصل الآن بين ضرورة مساعدة شعب لبنان، وبين السلطة الحاكمة التي تعتبرها تابعة لـ"حزب الله".
وتشكّل عودة الرياض إلى لعب دور على الساحة اللبنانية ولو من بعيد ومن دون أن تكون لها مبادرة كاملة متكاملة، بداية عودة الغطاء الخليجي والعربي على لبنان، وهذا الغطاء يُشكّل ضمانة لمنع الإنهيار الكامل والحتمي، ويترافق مع تحرّك مرتقب لجامعة الدول العربية وتصريحات لمسؤولين كبار في الجامعة يدعمون بشكل كبير مبادرة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بتحييد لبنان عن الصراعات.
ومخطئ من يظن أن السعودية قد تترك لبنان لتركيا أو إيران أو أي دولة إقليمية أخرى لتتغلغل أكثر وتثبّت دائرة نفوذ فيه، في وقت يعمد البعض إلى ربط الملف اللبناني بملف اليمن، بينما الحقيقة أن عوامل الأزمة اللبنانية متداخلة أكثر ومتشعبة أكثر وأكثر من ملف صنعاء.
وبعد تحسّس الدول العربية بخطر فلتان الوضع في لبنان، فإن الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، تدرك جيداً أن نار جهنم لبنان ستطاول أوروبا ولن تبقى محصورة داخل الـ10452 كلم²، وبالتالي فإن أوروبا التي تنطلق من حراكها من شقّ عاطفي، لديها أساساً مصالح في لبنان، ويشكّل العنصر الأمني أبرزها، ويترافق أيضاً مع رفض فرنسي كامل لتغيير طبيعة هذا البلد الذي لا يزال البلد الوحيد في الشرق الأوسط ذو الهوية الفرنكوفونية. وأمام التحرك العربي والأوروبي، لا ترغب واشنطن أيضاً بأن ينجرّ لبنان إلى دائرة العنف والفوضى، والمصالح الأميركية في هذا البلد كثيرة، ولو لم يكن هذا البلد يعنيها لما كانت تستمر بتسليح الجيش اللبناني، وتكمل بناء سفارتها في عوكر بتكلفة تفوق المليار دولار.
وتعتبر واشنطن أن المسّ بأمن لبنان واستقراره يعتبر من الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها من أي طرف كان، فهي لن تقدم على مساعدة سلطة تعتبرها أيضاً تابعة لـ"حزب الله"، لكن في المقابل لن تسمح للفوضى أن تضرّ بمصالحها ومصالح الشعب اللبناني، وأيضاً أمن إسرائيل في الجنوب.
وإذا كان هناك شبه إتفاق دولي على حماية أمن لبنان واستقراره، فلا يعني ذلك أن الدول الخارجية ستعطي السلطة "شيكات على بياض" لكي تستمرّ بسياستها التي تجرّ لبنان إلى الإنتحار، لذلك فان الأساس لدى هذه الدول تطبيق الإصلاحات الضرورية واللازمة من أجل تأمين الدعم المطلوب عبر تفعيل مؤتمر "سيدر" أو الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإلا سيبقى الشعب اللبناني يدفع ثمن سياسات حكّامه ولن يأتي الحلّ السحري من الخارج الذي يعاني ما يعانيه من أزمات كبرى أبرزها تحديات مواجهة "كورونا" وما سيليها من إنعكاسات على الإقتصاد العالمي.