رحيل دندش
قد لا يخلو تهديد، مهما عظُم، من فرصة. واحدة من «الفرص» القليلة للانهيار الذي ألمّ باللبنانيين، هي «الإقبال» غير المسبوق على فرز النفايات!
لم تفعل كل الدعوات والحملات التي نظّمتها سابقاً وزارة البيئة وجمعيات بيئية كثيرة فِعل الانهيار الاقتصادي الذي دفع كثيرين الى التفتيش عن «القرش» ولو في كومة من النفايات. عاطلون عن العمل ومصروفون من أشغالهم وباحثون عن مدخول إضافي يواجهون به انهيار قيمة الليرة، وجدوا في فرز النفايات من المصدر وبيع القابل منها لإعادة التدوير والتصنيع واحداً من السبل القليلة للتكسب.
بعد صرفه من عمله في أحد محال السوبرماركت، بدأ سامر جمع البلاستيك من البيوت لبيعه إلى أحد تجار الخردة. «أقوم بجولة يومية على بيوت أقارب وأصدقاء يجمعون الغالونات وقناني الشامبو وعبوات التنظيف والمياه المعدنية من بيوتهم ومن معارفهم وجيرانهم، وعندما أجمع كمية «محرزة» أبيعها لصاحب إحدى البُوَر». يتقاضى الشاب العشريني بين 2000 ليرة و4000 لكيلو البلاستيك، «حسب النظافة والنوعية». عبد الرحمن، وهو ناطور سوري، بدأ العمل في «المصلحة» حديثاً، بعدما لم يعد راتبه الشهري يسدّ قوت أولاده الأربعة. «عندما أجمع النفايات من أمام الشقق أفتح الأكياس وأفرز ما فيها من البلاستيك جانباً. وقد بدأ سكان المبنى بمساعدتي عبر وضع المواد البلاستيكية، وخصوصاً عبوات المياه الفارغة، في كيس منفصل».
عدد المقبلين على جمع البلاستيك يزداد مع غلاء المنتجات البلاستيكية المستوردة، وحاجة السوق المحلية إلى المواد الأولية. ويعاد تصنيع هذه المواد بعد فرمها وتذويبها كأقفاص للخضر، وطاولات وكراس ومستوعبات.
بيار بعقليني، مؤسس شركة إدارة نفايات لبنان، أوضح أن المواد التي يعاد تدويرها «تتحوّل إلى مواد أولية يحتاج إليها الصناعي اللبناني في الوقت الحالي ليشغّل معامله. وبدلاً من أن يحوّل فريش دولار إلى الخارج لاستيرادها يشتريها من السوق المحلية» مشيراً إلى أن «في الإمكان إدخال ما يصل الى 50 في المئة من البلاستيك المعاد تدويره إلى المنتج بالجودة نفسها مع خفض الكلفة على المصنّع والمستهلك».
نشاط لافت لتهريب المواد «المفرومة» إلى سوريا
لكن المفارقة أن هذه الطفرة لا تستفيد منها المصانع اللبنانية. بحسب علي شعبان، وهو صاحب معمل فرز وتوضيب في الشويفات، فإن التجار السوريين «فايتين فوتة قوية عالسوق». إذ يدفعون سعراً أعلى لـ«البلاستيك المفروم»، ما أدى الى تنشيط التهريب إلى سوريا. يشير شعبان إلى أن كثيراً من السوريين افتتحوا أخيراً بُوَراً في الناعمة وطريق المطار والمرادم والأوزاعي والمخيمات، «وسعر كيلو البلاستيك يُحدّد اليوم بحسب بورصة التجار السوريين»، لافتاً الى أن معامل التدوير في لبنان «مطفية» بعد تراجع مخزونها من الخردة بسبب التهريب، علماً بأن تجار الخردة يشكون من أن المصانع اللبنانية تبيع البضائع المعاد تدويرها بالدولار، فيما تشتري منهم بالليرة، ما يضطرهم إلى البيع إلى السوريين الذين يدفعون أسعاراً أعلى.
ووفق بيانات تعود الى عام 2018، ينتج لبنان نحو 6000 طن نفايات يومياً. ثلثها في بيروت. ويبلغ معدل إنتاج الفرد من النفايات بين 750 و1000 غرام يومياً. لكن بسبب الأزمة وتراجع الاستهلاك، «تراجع حجم النفايات إلى نحو 4000 طن يومياً، منها 1000 طن مواد صلبة قابلة لإعادة التدوير» بحسب بعقليني الذي تعمل شركته منذ سنتين في جمع المواد الصلبة من البلاستيك والنايلون والفلّين الأبيض والكرتون والإلكترونيات وإعادة تدويرها. ويقول: «النفايات تخلق دورة اقتصادية كاملة، وتؤمن فرص عمل وتحافظ على البيئة وتخفف كلفة الطمر التي تدفعها خزينة الدولة للمتعهدين وتشغّل المصانع وتنشّط التجارة».
«فكّر بيئياً» في البقاع
تعمل جمعية «فكّر بيئياً» في قضاء زحلة على جمع النفايات المفروزة، ولا سيما البلاستيك والتنك والزجاج، من نحو 300 بيت أسبوعياً. وتبيعها إلى أحد المعامل لاستخدامها في صناعة «صحّارات» الخضر وأكياس النايلون. وتستخدم العائدات، بحسب رئيس الجمعية موسى كبوشة، في شراء أدوية للمسنّين في المنطقة. لافتاً إلى أن البقاع يعاني من شحّ المؤسسات والجمعيات التي تعنى بالفرز، «والعمل في هذا المجال بمعظمه فردي، علماً بأن كثيرين متحمسون للفرز، لكن لا يوجد سبيل لتصريف هذه المواد». واضاف إن البلديات بدأت أخيراً تلتفت الى هذا القطاع المهم، وأن عقداً سيوقّع قريباً بين الجمعية وبلديّتَي عنجر وقاع الريم لمساعدة السكان على الفرز.