رنى سعرتي
«لي بيطلع سعرو ما بيرجع ينزل». هذه هي القاعدة المتّبعة في معظم المحال التجارية الغذائية او الاستهلاكية منذ بدء أزمة انهيار الليرة، وهذه هي القاعدة التي استسلم لها المواطن اللبناني، ولحقيقة تراجع قدرته الشرائية مع كل انهيار اضافي في سعر صرف العملة المحلية، حتّى لو عاد سعر الصرف الى الارتفاع. ومع توجّه الأنظار والرقابة والتبليغ والإعلام حول اسعار السلع المدعومة فقط، بات تقلّب اسعار السلع الاخرى غير المدعومة من دون حسيب ورقيب، ليستمرّ بذلك مسارها الصعودي الى ما لا نهاية.
فرضت القفزة التي شهدها سعر صرف الدولار مقابل الليرة في الاسبوعين الماضيين، ارتفاعاً جنونياً في اسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وأدّت الى حالة من الفوضى والبلبلة في السوبرماركت ونقاط البيع الاخرى، ودفعت معظمها الى اتخاذ قرار بالإقفال والإحجام عن البيع، نتيجة عدم القدرة على تعديل الاسعار، تماشياً مع ارتفاع الدولار بين ساعة واخرى، في حين لجأ بعض نقاط البيع الى اتّباع أنظمة تسعير خاصة به. ومن أبقى على الاسعار على ما كانت عليه، وقرّر زيادة قيمة الفواتير عند الدفع بنسبة معيّنة تعادل نسبة ارتفاع الدولار. أي انّه عندما يصل الزبون الى الصندوق لتسديد قيمة مشترياته، تتمّ زيادة القيمة الإجمالية للفاتورة بنسبة 30 في المئة على سبيل المثال، وغيرها من الأساليب والأنظمة المستحدثة لمواكبة التقلبات في سعر الصرف.
لكن مع عودة سعر صرف الليرة الى الارتفاع من 15 الى حوالى 11 الف ليرة مقابل الدولار، لم تشهد أسعار كافة السلع تعديلاً لخفضها، بل انّ السعر الذي أقفلت عليه يوم الجمعة ما زال هو نفسه اليوم. فمن يراقب ومن يحاسب؟ وكيف سيتمّ التعامل مع التقلّبات اللاحقة لسعر الصرف، خصوصاً انّه من المتوقع ان لا يشهد استقراراً نسبياً في الفترة المقبلة؟
في هذا الاطار، دعا رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لإعلان حالة طوارئ اقتصادية وإقفال البلاد 3 ايام، الى حين استقرار الامور وثبات سعر الصرف عند مستويات منطقية، قائلاً لـ»الجمهورية»: «عندما تشهد البورصات العالمية تقلّبات كبيرة صعوداً او نزولاً في الاسعار، تعمد البورصات الى الإقفال، ليس بهدف حماية رؤوس الاموال بل لحماية المتداولين والمواطنين».
واكّد بحصلي، انّ الاسعار تتراجع حتماً مع تراجع سعر صرف الدولار، «إلّا انّ المطلوب ان تستقرّ عند مستوى معيّن، لكي يستطيع المستوردون او تجار الجملة او تجار التجزئة مواكبتها». لافتاً الى انّ المستوردين فعلاً في حيرة حول كيفية التعامل مع تقلّب سعر الصرف بشكل سريع وكبير، «فمنهم من أحجم عن تسليم البضائع، ليس بدافع الاحتكار بل نتيجة عدم الثبات في الرؤية، وعدم إرادة في رفع الاسعار وفقاً لسعر صرف عند 14 او 15 الف ليرة، وامكانية تراجعه لـ12 او 11 الف ليرة لاحقاً. ومنهم أيضاً من عمد الى رفع الاسعار للحفاظ على رأسماله وليس لتحقيق الارباح، ومنهم من حافظ على الاسعار القديمة متحمّلا الخسائر التي قد تنتح في حال عدم معاودة سعر الصرف الى التراجع». مشدّداً على انّه ليس بقدرة أي تاجر ان يتخذ القرار السليم في ظلّ البلبلة القائمة، «فالجميع في حيرة حول كيفية التسعير».
وشرح بحصلي، انّ التراجع في اسعار السلع في نقاط البيع لا يمكن ان يواكب التراجع او الارتفاع في سعر الصرف بشكل يومي، «لأنّ الارتفاع القياسي في سعر صرف الدولار بدأ يوم الخميس الماضي، وبدأت معه الفوضى في الاسواق لغاية يوم الثلثاء، الى حين سلّمت الشركات اللوائح المعدّلة للاسعار واعتمدتها نقاط البيع يوم الاربعاء، ليعاود الدولار تراجعه من جديد يوم الخميس. ومن المتوقع ان تستمرّ تلك التقلّبات على هذا النحو».
وقال: «الامور «فلتانة» والوضع غير «مضبوط»، وليس في يد التجار او المستوردين او السوبرماركت الحلّ، بل انّ الدولة هي المسؤولة عن ضبط الوضع». مشيراً الى انّ الفوضى العارمة الناتجة من تقلّب سعر الصرف بمعدلات كبيرة تسبّب الأذى للتجار والمواطنين بشكل متساوٍ، «وليس من السهل على التاجر اتخاذ قرار رفع الاسعار بل انّه «الكأس المرّ» بالنسبة له، لأنّ رفع الاسعار يعني تراجع في حجم المبيعات وتكّدس مخزون اضافي وعدم القدرة على سداد قيمة هذا المخزون للموردين في الخارج».
اما بالنسبة الى الرقابة على الاسعار في نقاط البيع، ذكّر بحصلي انّ هناك 20 ألف نقطة بيع في لبنان، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار من 8 آلاف الى 15 الفاً خلال أسبوعين، لم يعد ضبط الأسعار خياراً ممكناً خصوصاً في نقاط البيع الصغيرة مثل «الميني ماركت» او الدكاكين، حيث لا قدرة لأصحابها على تحمّل خسائر ناتجة من ارتفاع سعر الصرف، وقد بات كلّ منها يعتمد نظام تسعير يراعي مصالحه ورأسماله، لافتاً الى انّ السوبرماركت التي تشكّل 25 في المئة فقط من اجمالي نقاط البيع، قد تكون قادرة على تحمّل بعض الخسائر الناتجة من تقليات اسعار الصرف، إلّا انّ الـ75 في المئة الاخرى لا يمكنها سوى رفع الاسعار للحفاظ على استمرارية عملها.
وحول قرار مصرف لبنان إنشاء منصّة الصرافة للمصارف لضبط سعر صرف الدولار وتأمين الدولارات للتجار من خلالها، أكّد بحصلي انّ الحاجة الملحّة اليوم هي وقف النزيف الحاصل إن عبر المنصة او غيرها، لافتاً الى «اننا لم نرَ شيئاً بعد فعّالًا على أرض الواقع. لقد صدر قرار المنصّة يوم الجمعة إلّا انّه لم يُعمّم بعد على المصارف. في المبدأ، انّ انشاء المنصّة أمر ايجابي، وقد دعينا مراراً للتعامل بالدولار عبر المصارف وليس عبر الصرافين، لكننا بحاجة للإطلاع على آلية عمل تلك المنصّة قبل الحكم على ايجابياتها وسلبياتها».