د. فؤاد زمكحل
قبل التعليق على مشروع القانون المكرّر المعجّل القاضي بزيادة مليون ليرة لإخوتنا في القوى الامنية، والتطرّق إليه سلباً أم إيجاباً، نُشدّد ونقول إن القوى العسكرية في لبنان تستحق ملايين ومليارات الليرات، وأضعاف الأضعاف الزيادة الموعودة لتضحياتهم بدمائهم، وأجسادهم، وعذاباتهم تجاه وطنهم وأرضهم وشعبهم.
من الناحية النقدية، سيزيد هذا المشروع مباشرة الكتلة النقدية من العملة الوطنية، لأن المبالغ الموعودة ليست متوافرة في خزينة الدولة، وهذا يعني أن الدولة ستُجبر على طبع سيولة إضافية، وضخّها في السوق، والذي سيؤدي إلى تدهور أكثر لقيمة الليرة اللبنانية.
إن ضخ السيولة، وزيادة الكتلة النقدية في السوق المحلية الإضافية، من دون أي نمو اقتصادي، يؤدي إلى «هَدم» يوماً بعد يوم، قيمة العملة الوطنية، والقيمة الشرائية للعملة. بمعنى آخر، إننا نعطي إخوتنا في القوى الامنية مبلغاً معيناً بيد، وفي اليد الأخرى نأخذ منها ومن الشعب اللبناني ككل أضعافاً مضاعفة، حيث لم يعد في مقدور سائر طبقات الشعب تأمين الحد الأدنى من متطلّباته، ومتابعة عيشه على هذا النحو.
من جهة أخرى، هذا يعني أن الدولة تعد بزيادة وهمية لا تملكها، لأشخاص محقّين، وفي المقابل تزيد التضخم في الإقتصاد أضعافاً مضاعفة، والذي سيؤدّي إلى زيادة أسعار السلع الاساسية، وحيثما ستتبخّر هذه الزيادة المالية، حتى قبل أن تصل إلى جيوب مستحقيها. وفي الوقت عينه هذا القرار العشوائي سيُعمّق تدهور العملة. هذا يعني عملياً أنّ هذه الزيادة المالية المطروحة لن تقوم في خدمة المطالبين بها، بل ستزيد الإنهيار أكثر فأكثر.
إذا تطرّقنا إلى ناحية العدالة الإجتماعية، وإذا أُقرّت هذه الزيادة للقوى الأمنية، بحسب المشروع المطروح، سيُطالب في اليوم التالي كل موظفي القطاع العام وبحق، بالزيادة عينها.
هذا يعني أنه ستتكرّر أسطوانة سلسلة الرتب والرواتب بأموال غير متوافرة، وإذا لم تُقرّ هذه الزيادة بشكل عادل لكل القطاع العام، ستتجه البلاد الى الإضرابات والإقفال العام، وتالياً إلى الفوضى في الشارع.
وإذا لم يتطرّق أحد من المسؤولين المعنيين إلى كل هذه التداعيات، وقام باقتراح هذا المشروع بجهل، فهذا الأمر يُعتبر كارثة كبيرة. وإذا كان بالعكس، أي أنهم كانوا يعلمون كل هذه النتائج المباشرة وغير المباشرة، فهذا يُشكل كارثة أكبر، وهذا يعني أن النيّة المبطّنة متجهة إلى أخذ البلاد نحو المجهول والفوضى الإضافية.
في النهاية، مرة أُخرى سيدفع ثمن هذه القرارات العشوائية القطاع الخاص اللبناني، الذي ينزف، ولا يستطيع استكمال مسيرته، علماً أن زيادة الاجور في القطاع العام ستدفع القطاع الخاص إلى زيادات متتالية، وكل هذه الإجراءات ستزيد التضخم، وكلفة العيش وتدهور نسبته.
في المحصّلة، إن كل هذه الإجراءات غير مدروسة، وتهدف إلى كسب الوقت، وتأجيل المشكلة، ودفعها إلى الأمام، إذ لا نية لتنفيذ حلول جذرية، بل كالعادة، قرارات عشوائية - تخريبية، سيدفع ثمنها المواطنون، والإقتصاد، وستزيد الإنهيار والفوضى. ولربما هذا هو الهدف؟