جورج شعيا
شهد القطاع الصناعي مع بداية ازمة الدولار انتعاشا مقبولا، بعد ان تمت الاستعاضة عن المواد المستوردة بالصناعات المحلية نظرا لصعوبة الاستمرار بالنهج الاستهلاكي في ظل شحّ الدولار وارتفاع سعر صرفه.
الا ان هذا الانتعاش لم يدم طويلا، فجنون الدولار الذي شهدته السوق السوداء والتخبط الذي حصل بين صعود ونزول، اعاد عقارب الساعة الى الوراء ووضع القطاع الصناعي امام تحديات جديدة صعبة.
وما زاد الطيّن بلّة، بدء الخفض التدريجي للدعم عن المحروقات الى 85%، ما رفع سعر صفيحة البنزين 4200 ليرة وصفيحة المازوت 3000 ليرة.
فكيف ستنعكس هذه المستجدات على الصناعات المحلية؟ وهل سيشهد القطاع الصناعي انهيارا كاملا ويتجه شيئا فشيئا نحو الاندثار؟
نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، يشرح في حديث لموقع vdlnews، كيفية تأمين العملات الصعبة المطلوبة لاستمرارية القطاع: "هناك 30% كمعدل عام من المواد الاولية تتأثر بسعر صرف الدولار، فنحن نعمل على تأمينها عبر ثلاث طرق:
1- نشتريها من السوق السوداء، الطريقة التي يؤمن من خلال 70 % تقريبا من الحاجات.
2- بعض مصانع الادوية والمواد الغذائية، كانت تحصل على "الدولار المدعوم" من وزارة الاقتصاد على سعر الصرف المحدد على المنصة الرسمية اي 3900 ليرة، الا ان هذه الطريقة شكلّت عائقا لبعض المصانع امام عملية التصدير.
3- اتفاق بين مصرف لبنان وجمعية الصناعيين اقتضى بموجبه ان يؤمن مصرف لبنان 100 مليون دولار لشراء المواد الاولية من اموال الصناعيين الخاصة الموجودة في المصارف اللبنانية وليس اموالا مدعومة من المصرف المركزي. بيد ان وزارة الصناعة وافقت فقط على منحنا 55 مليون دولار، في حين اننا لم نحصل من صرف لبنان سوى على 16 مليون دولار حتى الان"، مشيرا الى ان "مصرف لبنان لم يؤمن يوما "الدولارات الطازجة" للصناعة".
ويضيف بكداش: "السلع والمواد المدعومة من قبل وزارة الاقتصاد تخلق لنا المشكلة وطالبنا بالتخلي عنها، بالاضافة الى اننا حذرنا من طريقة الدعم المعتمدة بانها ستزيد من عمليات التهريب".
وعن الاخبار التي طالت الصناعيين، واتهمتهم بأنهم يستفيدون من الدولارات التي وفرها لهم المصرف المركزي ويحوّلونها الى المصارف الاجنبية في الخارج تحت حجة التصدير، عّلق بكداش قائلا: "هذا الكلام عار من الصحة ولا اساس له، وقد تواصلت شخصيا مع مصرف لبنان وجمعية المصارف، وتبيّن انهم لا يملكون احصاءات رسمية تظهر نسبة "العملات الاجنبية الطازجة" التي ادخلها الصناعيون الى لبنان".
ويتابع: "هكذا اشاعات من شأنها ان تضرّ بالقطاع الصناعي. ويبدو انهم يسعون اليوم الى ضرب الصناعات المحلية التي نجحت خلال الازمة بالتعويض عن النقص الحاصل في السوق اللبنانية، كما تم ضرب القطاعين السياحي والمصرفي، حتى يكون آخر مسمار يدقّ في نعش الاقتصاد اللبناني".
وترافقت مع الاتهامات التي سيقت بحق الصناعيين، معلومات تفيد بان مصرف لبنان يدرس امكانية وضع آلية جديدة توجب الشركات المصدّرة بايداع قيمة الصادرات خلال 45 يوما من تاريخ عملية التصدير في المصارف اللبنانية، تبثت ان الشركات المصّدرة استعادت عائدات التصدير من الخارج.
نائب رئيس جمعية الصناعيين اكّد صحة هذه المعلومات، وعلّق قائلا: "نحن نريد استعادة الثقة بيننا وبين المصارف لكن على مصرف لبنان والمصارف ومجلس النواب ان يوفروا لنا الضمانات الكافية وان تسنّ القوانين المطلوبة التي تحمي اموالنا وتضمن لنا ان "الاموال الطازجة" التي ستأتي من التصدير وتوضع في المصارف لن تتبخّر في حال افلست البنوك كما تبخّرت اموال اللبنانيين".
وأضاف: "استطيع التأكيد ان 70 الى 80% من عائدات التصدير تعود الى لبنان، اما النسبة المتبقية، فهي تحوّل تلقائيا من حساب الشركات المصنعة لاستيراد المواد الاولية. مع العلم انه قانونا من المجاز لنا ابقاء الاموال خارجا".
وعلى سبيل المثال، يشرح بكداش: "اذا اردنا ان نصدر موادا وسلعا بقيمة 100 الف دولار، علينا ان نعيد 60 الف دولار تدفع كمصاريف لسد كلفة رواتب العمال والمحروقات والتغليف، 30 الف دولار تخصص لتأمين المواد الاولية فتأتي الى لبنان ويعاد تحوليها الى الخارج او تبقى في الخارج وتحول بشكل مباشر، اما الـ10% الاخرى، فخوف البعض وغياب الثقة يؤديان الى تركها في الخارج".
ويردّ بكداش على الاتهامات: "فليسحموا لنا، لسنا بمهّربين وارباح الصناعة ضئيلة جدا تراوح بين 2 الى 10% كحد اقصى".
وعما اذا كان للصناعيين مطالب ومآخذ على الدولة، يجزم بكداش: "لا نريد ولا ننتظر شيئا من الدولة، فقط نريد ان يتركونا وشأننا". ودعا للاسراع في تشكيل الحكومة "القادرة على انتشال لبنان من الحفرة التي اوقعونا فيها، فجميع من تعاقب على الحكومات السابقة من العام 1990 حتى اليوم يتحمل جزءا من المسؤولية".
وفي الختام، نوه بكداش بان "الصناعات الاستهلاكية كالادوية والسكريات وادوات التنظيف والتعقيم وغيرها، تشهد ازدهارا وتعمل على سد حاجات السوق المحلية، لكن استمرارية هذه الصناعات ستبقى رهن حل معضّلة عائدات الصادرات".