رزق الله حايك
بعيداً عن المقوّمات العلميّة للحياد وشروطه، وكيف انه ليس منحة تقدّم كهدية انما يُفرض بواسطة الدولة السيّدة بقوة عسكرية حاسمة وتماسك داخلي متين، وانه متى فُرض فهو فعلاً قادر على حماية الدولة الحيادية وتأمين استقرارها السياسي والامني، تستوقف المتابع السياسي المطالبة بالحياد من قبل الاطراف المصبوغة بالتبعية التي تعتاش على المال السياسي القادم من الخارج لتنفيذ اجندات تتعارض في معظم الاحيان مع المصلحة الوطنية.
ويتزايد منسوب الاستغراب عند سماع الدعوات المنادية الى عقد مؤتمر دولي ترعاه الدول الخارجية للمطالبة بحياد لبنان وكأن الدول التي نتوجه اليها لاستجدائها هي الحلّ لا اساس الأزمة.
أليست الولايات المتحدة من تسعى جاهدةً الى فرض توطين اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان واعادة دمج النازحين السوريّين، والضغط على لبنان ليتنازل عن حقوقه البحرية لصالح اسرائيل؟
أليست فرنسا من فاتحت ايران منذ بضع سنوات بالمثالثة وبعدها قال الرئيس فرنسوا هولاند للبطريرك الراعي ان مسيحيي المشرق سيتم إجلاؤهم الى اوروبا؟
أليست المانيا من تقود قوات اليونيفيل البحرية التي تغاضت عن الباخرة التي ادخلت شحنة نيترات الامونيوم الى مرفأ بيروت ولا احد يعلم كم شحنة اخرى مرّت وتم تهريبها الى سوريا؟
اليس من نطالبهم بالحياد اليوم هم نفسهم من استقدموا الارهابيّين وزرعوهم بيننا يفجّرون ويقتلون ويخطفون وينحرون العسكريّين، كما منعوا الجيش اللبناني من التعرض لمخيمات تدريبهم ومن تحرير الاراضي المحتلة على غرار الجرود؟
أليست عمليات التسلح والتخريب في الشمال وبعض المناطق الاخرى مِن صُنع مخابرات الدول التي يناشدها البعض اليوم بمساعدتنا على تطبيق الحياد؟
ألم يشارك الغرب بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت ورفض تسليم لبنان معلومات عدة ابرزها صور الاقمار الصناعية؟
بالاضافة الى كل ما سبق، أليس كل الفاسدين في لبنان مدعومين من الخارج الذي يُطلب منه اليوم بكل سذاجة ان يخلصنا؟
ألم تنل سياسات مصرف لبنان التدميرية مباركة خارجية مباشرة وتدخلت السفيرة الاميركية وهددت من تسوّله نفسه ان يحاسب الحاكم او يقيله؟
اليست منظومة الطائف الحاكمة مدعومة من الخارج الذي يموّلها ويرعى مصالحها؟
ما اسهل اجترار الشعارات الرنانة في لبنان، وما اسهل تقزيم المفاهيم والافكار والمبادئ وتفريغها من معانيها خدمةً لأطراف مرتهنة وعميلة، هي ابعد ما تكون عن المبدئية والوطنية وتعتبر ان السياسة ليست سوى تنفيذ لاجندات الخارج مقابل دولارات تذهب لبناء القصور الباردة وشراء الساعات والمجوهرات في حين يبقى الشعب المسكين في فقره ليسهل استخدامه في التعبئة والتجييش.