غادة حلاوي
شكل البيان الاميركي - الفرنسي المشترك حول لبنان معطى جديداً. قرأه البعض من ناحية انه أمّن الخروج للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من حكومة المهمة وتجاوزها الى تشكيل الحكومة الفعالة، مما قد يشكل دعوة الى حكومة سياسية او حكومة تكنو - سياسية او يفتح باب الاجتهاد بذلك. حمل البيان لغة اميركية وفرنسية مرنة وقد جاء، وللمرة الاولى، خالياً من تحميل المسؤوليات لا سيما على مستوى السياسة الاميركية وتعاطيها حيال لبنان، كما خلا من أي ذكر لـ"حزب الله" واتهامات الادارة السابقة عبر تحميله مسؤولية التعطيل. ولو أن "حزب الله" اعتاد في تعاطيه ألّا يأخذ بالأماني ولا بالتحليلات، فهو ينتظر الوقائع ليبني عليها ولذا عينه على سياسة الرئيس جو بايدن في المنطقة من دون ان يسقط من اعتباراته ان سياسية الادارة الجديدة قد لا تختلف عن السابقة ولو بلغة ألطف.
غير ان البيان المشترك جاء ليؤكد المزيد من التنسيق الفرنسي - الاميركي واعادة تزخيم للدور الفرنسي الذي يحاول من خلال اتصالات دولية مع أميركا، واقليمية مع السعودية والامارات ومصر ان يؤمن الغطاء الاقليمي والدولي لمبادرته لاعادة تزخيمها في لبنان من خلال مبعوث خاص متوقع وصوله الى لبنان. وبعد التعاطي الفرنسي في المرحلة السابقة واللهجة التي توجه من خلالها الرئيس الفرنسي الى المسؤولين صار التعاطي حذراً مع مبادرته، واذا كانت عودته محتمة فـ"بشرط التعاطي مع الاطراف اللبنانية من منطق الوساطة بين طرفين وليس لتقوية طرف على آخر او العمل لمصلحة طرف ضد طرف آخر والا سيصطدم مجدداً بفشل مسعاه".
كانت كل العيون شاخصة باتجاه برنامج الرئيس الاميركي وسياسته تجاه لبنان والمنطقة وقد جاء خطابه خالياً من اي اشارة تذكر حول سوريا او ايران، فيما ركز جل اهتمام ادارته حول انهاء حرب اليمن على اعتبار ان التعاون الايراني في اليمن يؤشر لغيره من الملفات.
ولمست مصادر ضليعة بالشأنين الفرنسي والاميركي من كلام بايدن وجود نية لدى الرئيس الاميركي بالالتزام في تنفيذ برنامجه واولى خطواته المنتظرة العودة الى الاتفاق النووي مع ايران. وتتوقع ان تكون هذه العودة من دون اي شروط اضافية فيما سيؤجل التفاوض حول الصواريخ الباليستيه الى مراحل لاحقة. لن يولي بايدن اهتماماً للوبي الاسرائيلي في هذا الشأن ولا للموقف الخليجي منه ولكن من غير المعروف بعد متى سيقرر الاميركي العودة الى طاولة المفاوضات مع الايراني. والملاحظ لغاية اليوم ان اي اتصال لم يحصل بعد بين الرئيس الاميركي الجديد ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. كأن بايدن يريد ان يعاقب الاخير على تبنيه ورقة دونالد ترامب الى الآخر.
لأميركا مشاكل داخلية هائلة وبقدر ما تخفف عن نفسها مشاكل خارجية بقدر ما تلتفت الى معالجة ملفاتها، ولذا لم ينتظر رئيسها الجديد الكثير حتى يسارع الى سحب حاملة الطائرات من الخليج واعلان عزمه على وضع حد للحرب في اليمن، وفسرت المصادر المطلعة موقفه المتعلق بهذا الملف بكونه مؤشراً لا يصب في صالح السعودية رغم ما قاله عن العلاقة معها.
ووفقاً للمصادر عينها، فقد شكل البيان الاميركي - الفرنسي المشترك حيال لبنان والذي أكد استمرار كلا الدولتين "بدعمهما الكامل الذي لا لبس فيه للشعب اللبناني"، وتشديدهما "على الضرورة الملحة لتشكيل حكومة ذات مصداقية في لبنان"، اعلاناً رسمياً لعودة الزخم الاميركي بالتعاون مع الفرنسي الى هذا الملف. ملمحة الى حقبة اميركية جديدة لها علاقة بلبنان تختلف عن المرحلة الماضية لناحية الشروط المتعلقة بعدم امكانية مشاركة "حزب الله" في الحكومة، كشرط من شروط تشكيل الحكومة العتيدة. ومقارنة مع سياسة وزير الخارجية الاسبق مايك بومبيو يؤشر البيان الى تعاطٍ ديبلوماسي مختلف. ففي المرحلة السابقة، تضيف المصادر: "كنا نلحظ كيف ان بومبيو كان يسارع مع شينكر وآخرين الى عرقلة اي مسعى فرنسي للدفع باتجاه تشكيل حكومة ولا يفوت فرصة للحديث عن "حزب الله"، فيما بدا بيان الادارة الحالية مرناً ولو حمل صيغة التنبيه والتحذير من مغبة استمرار الوضع على ما هو عليه".
في سياق تقرير نشره مركز الازمات الدولية الذي يشرف عليه روبرت مالي الذي عينه مؤخراً الرئيس الاميركي مبعوثاً خاصاً بالشأن الايراني، يقول ان العقوبات الاميركية على حلفاء "حزب الله" والضغط باتجاه استبعاده من الحكومة يعقد تشكيل حكومة جديدة، ويوصي الادارة الجديدة بان تكون اولويتها تقوية الدولة ومنع انهيارها. ما يعني عملياً أنّ الموقف الاميركي اقترب من الموقف الفرنسي الداعي الى مساعدة لبنان وعدم تركه يسير قدماً نحو الانهيار، ولعل الجملة الاخيرة هي "كلمة السر" التي سيتم التوجه بخصوصها باتجاه دول الخليج والمملكة العربية السعودية، وهي بارقة الامل التي تلتقي اميركا وفرنسا عليها.