راجانا حمية
كثرت، في الآونة الأخيرة، إنذارات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للمستشفيات، وفسخ العقود مع بعضها، لعدم التزامها بالتعرفات المحددة من قبله. آخر تلك الفصول فسخ عقدَي الضمان مع مستشفيي فؤاد خوري وكليمنصو الطبي «لاستغلالهما خوف الناس من المرض وحاجتهم إلى الاستشفاء (...) وإطلاق العنان لمصالحهم الشخصية والمالية على حساب المرضى».
الإنذارات جاءت رداً بعد شكاوى مرضى حول تدفيع المستشفيات لهم فروقاً على الفاتورة الاستشفائية «بتكوي كوي»، على ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي. ويبدو، في ظل الأزمة الاقتصادية ــــ المالية، أن المستشفيات بدأت فعلاً بتطبيق «الدولار الصحي». هذا ما تعكسه فروقات فواتير الاستشفاء للمضمونين، والتي باتت تقاس بملايين الليرات، على عكس ما كانت عليه مع «دولار الـ 1500 ليرة». فمع اشتداد أزمة استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية المربوطة بدولارين: الرسمي والسوق السوداء، وفق آلية مصرف لبنان، بدأت المستشفيات بـ«تحصين» نفسها من الأزمة، فكان العلاج بتدفيع المواطنين. وهي لازمة ترافق كل أزمة.
قبل بضعة أشهر، كان وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة قد غرّد على موقع «تويتر» بأن «المستشفيات ستبدأ باعتماد الدولار على أساس سعر الصرف 3950 ليرة (...) وذلك يعني انهيار القوة الشرائية للمواطنين والجهات الضامنة، ما سيؤدي إلى زيادة أسعار بوليصة التأمين ثلاثة أضعاف... الملخص هو كارثة صحية». اليوم، باتت هذه التغريدة واقعاً... مع الأمر الواقع الذي تحاول فرضه المستشفيات على المرضى. والكارثة هنا أن الفاتورة الاستشفائية ليست تفصيلاً، إذ إنها تشمل كل ما يمكن أن تستخدمه المستشفيات، من الدواء إلى المستلزمات والمعدات الطبية، إلى الأكل، إلى أتعاب الطبيب... ماذا يعني ذلك؟ يعني أن «نهجاً» جديداً في طور التشكل سيمتد إلى «قطاعات أخرى» من الصيدلة إلى غيرها. وهذا يعني أيضاً، بحسب خليفة، «محاولة لرفع الدعم تدريجياً عن الدواء وعن غيره... والمدخل يكون من المستشفيات». يصف خليفة ما يجري بـ«العملية الناعمة لرفع الدعم، حيث تبدأ بتقبل المواطن ما يجري بجرعات وعلى دفعات». يحصل كل ذلك، فيما السلطة غائبة حتى عن المساءلة أو محاولة الإصلاح «وكأنها من مقدمات الرضوخ لشروط البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي»، يضيف خليفة.
في مقابل وجهة النظر تلك، ترى نقابة أصحاب المستشفيات الأمور من منظار آخر. يبدأ نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، من «الأشياء الكثيرة» التي أدت إلى نشوء هذه الأزمة، وهي تبدأ «بالمستلزمات والمعدات الطبية، وما يفرضه علينا معظم المستوردين من الدفع بالدولار الكاش، إلى التصليحات وقطع الغيار للمعدات في المستشفيات، إلى الأكل الذي تضاعف سعره مرات عدة، إلى كواشف المختبرات».
لذلك، «يعيش القطاع الاستشفائي اليوم حالة من الفوضى بالتسعير لا نستطيع معها العمل». والنتيجة محصورة بأمرين «إما نبطل نستقبل المرضى أو ندفّعهم الفرق... وكلا الخيارين سيئ جداً». يحسم هارون وصول المستشفيات إلى هذا الخيار، وكأن لا خيارات أخرى، طالباً «ضبط فوضى الأسعار بدلاً من إرسال دوريات التفتيش». أما من الجهات والصناديق الضامنة، فأراد هارون أن تكون رسالته لهم «بالعربي المشبرح»، ومفادها: «إذا ضلّيتوا هيك ما رح نقدر نستقبل مرضاكم».
هذه هي المعادلة. لا تملك نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة غير الناس لتضغط على الدولة والجهات الضامنة. وقد بات هذا الأمر سهلاً بالنسبة إليها. أما الدولة فتكتفي برؤية مشاهد موت الناس أمام أبواب الطوارئ.