الوزير السابق والنقيب السابق لمحامي الشمال رشيد درباس
من آثار انشطار الدولة بين حكومتين، بعيد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، حلول الظلام العام على الشمال بسبب امتناع كهرباء لبنان عن تمويل كهرباء قاديشا بالمال اللازم لإصلاح وحدة الانتاج الخامسة فيما كان الفريقان الفنيان، الإيطالي والنمسوي على أهبة الرحيل للسبب المالي المشار إليه وعدم دفع المستحقات، فقررت هيئة التنسيق الشمالية برئاسة المرحوم الرئيس عمر كرامي، اعتماد التمويل الشعبي الذاتي، وتألفت لجنة لإدارة تلك المهمة، كان الدكتور عبد الاله ميقاتي أحد أهم أعمدتها، وهو المهندس المختص بتوليد الكهرباء، ولكنه، من خفر وتواضع، كان يؤثر الظل، وهو الطويل القامة، النير الوجه والابتسامة، فلما فتك به الداء، خرج من الظلال إلى الضوء، فسطعت مآثره بين الناس، بينهم من تقاطر ليلاً لوداعه ومنهم من قرأوا له الفاتحة وهم قيد الحجر، وطلبوا لروحه الطاهرة الرحمة، كل على طريقته من غير حاجة لمن يقود ضمائرهم وألستنهم، ليدلهم على أشكال الصلاة، لأنها مناجاة بين المخلوق والخالق من غير وساطة أو سماسرة.
وغادر أيضاً منذ أيام الصديق والقريب رمزي عبد الوهاب فخلت الدار من قلب كبير، وقد بكاه أصدقاؤه وأكثرهم من المسيحيين، وقرأوا له الفاتحة من قلوب صادقة.
أردت من هذا المدخل أن أعبر إلى تحية الأب طوني الخولي، الذي كان يحمل اسم ربيع الخولي، عندما كان مطرباً، فآثر الكهنوت ليلهم المؤمنين بعذوبة صوته، مقاصد الصلاة، ومن ذلك أن رتل سورة الفاتحة ومقاطع من الانجيل المقدس، داعياً رب العالمين باسم الناس كلهم أن يشملهم برحمته وعطفه، إيماناً منه أن رب الناس إله الناس، نعوذ به من شر الوسواس الخناس الذي أراد أن يستولد من الخير شراً، ومن الدواء ضُرَّاً ومن الدعاء كفراً. إذ فوجئت ببرنامج تلفزيوني يستضيف شيخاً وقساً، فتوجّست من محاولة إضرام النار باحتكاك الألسنة ومزاعم احتكار الصواب وتهاتر الكلام.
وحقيقة الأمر أنني بعد ما تمتعت برؤية فضيلة الامام الشيخ الأكبر أحمد الطيّب وقداسة البابا فرنسيس الأول، في لقاء شهد على روعة اعتراف الأديان ببعضها من قبل الحبرين العظيمين، لم تعد عيني تطمئن إلا إلى رجل الدين الذي يشرح عظمة ذلك اللقاء من أمثال الأب المفكر المستنير الدكتور جورج حبيقة.
ولذلك صعقت لمّا توافق الشيخ والقس على أنّ عبارة المغضوب عليهم والضالين، تنصرف إلى اليهود والنصارى، لأنني لم أكن أتخيل أن السورة التي تُقرأ مليارات المرات في اليوم الواحد تستهدف أهل الكتاب وتهمل الوثنيين وعبدة الناروالمجوس وسواهم من الملل فيما الكتاب الكريم لم يخاطب اليهود والنصارى مرة واحدة بعبارة: أيها الكافرون بل بعبارة يا أهل الكتاب وأمر المسلمين ان يبرّوهم ويقيموا العلاقات معهم بالقسط والاحسان، على ما لفتني سماحة الدكتور المفتي مالك الشعار مضيفاً ان الأصل في النص هو الاطلاق، ولا يقيد الا بقرينة، وزاد على معلوماتي أن فضيلة الامام محمد عبده قد وصف المغضوب عليهم بانهم من خرجوا عن الحق بعد علمهم به، والذين بلغهم شرع الله فرفضوه انصرافاً عن الدليل ونبذوا الحق وراء ظهروهم واستدبروا الغاية واستقبلوا غير وجهتها ، كما ذكّرني سماحته أنّ الفاتحة سورة مكّيّة، وقد أنزلت في الزمان الذي كان الرسول يحارب عبدة الأوثان لا أهل الكتاب واستشهد كذلك بالمفكر والعلامة الدكتور محمد عزة دروزة الذي أكد أنّ القرآن المكّي كان رفيقاً بأهل الكتاب، مستشهداً بنصوصهم تعزيزاً وتدليلاً على صوابيّة الرسالة المحمدية،
لا أكتمكم القول إنّ ذلك البرنامج أصابني بالهلع المشابه لهلعي الآن لما يحدث في طرابلس، ذلك لأن القس عاب على ربيع الخولي قراءة الفاتحة التي تصف المسيحيين بالضالين كما ادّعى في حين أخذ الشيخ على الأب الخولي أنه قرأ الفاتحة بمصاحبة الموسيقى، فكأني بهما يعيدانني إلى الاسطوانة المشروخة عندما قامت ضجة بين أحمد والمسيح فأنبرى لها أبو العلاء بقصيدته المشهورة: يقول رسول الله في اللاذقية.
أنا أولى بعيسى بن مريم، وإن الأنبياء إخوة لِعَلات، أمهاتم شتى، ودينهم واحد، رواه البخاري، ألا فلتبخّر الأفواه والنيات قبل النطق بشؤون الدين، تماماً كما فعل الأب طوني، ربيع الخولي سابقاً، عندما عطّر الأجواء بترتيل الفاتحة وتجويد الكتاب المقدس.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا