ميرا جزيني عساف
كثيرة هي الأساطير في العهد القديم التي تحكي عن غضب الله على البشر. وكثر هم من في يومنا هذا يستعيدونها لوصف الحالة التي تعيشها البشرية مع جائحة كورونا بوصفها من غضب الله على الناس الذين حادوا كثيرا عن الإيمان، فأنزل الوباء فيهم قصاصا!..
لعلّ هذه المقاربة تحكي بعض الشيء عن ضعف الإنسان وخوفه وبحثه الدائم عن تبريرات تخفّف وطأة ما اقترفه هو في عقله وقلبه ويديه. أتذكرون سفينة نوح التي صنعها بوحي من الله لحماية المؤمنين والكائنات الحية من الطوفان العظيم بعدما كثر شرّ الناس، وأمره فيها بأن يحمل من كل نوع زوجين؟ هي واحدة من تلك الأساطير التي تفي الغرض بوصف الحال التي نعيشها جميعا اليوم، ونحن نلتزم بيوتنا لنمرّر أيامنا بسلام، مع فارق بسيط أنّ الله يشاهدنا بمحبّة لا بغضب، هامسا في أذن كلّ منا إنها مرحلة صعبة لكنّها ستمرّ. فلنترك الله وشأنه إذا ولنلتفت قليلا إلى أنفسنا.
مع كلّ يوم، تشتدّ الجائحة وتتواتر أخبار المرض والموت. تتراكم أوراق النعي في مواقع التواصل الاجتماعي، مترافقة مع عبارة "نظرا الى لظروف الراهنة شاركونا الصلاة من المنزل"! كم هي صعبة أيّامنا، يموت الفرد منّا وحده ويُدفن وحده. تتوالى رسائل التعزية الافتراضية موشية بعواطف متدلّية من حزن وغصّة كبيرين.
قد تكون مؤشّرا الى مجتمع متراص متعاطف حدّ الالتصاق، لكن ألا يجب ان تترافق مع مسؤولية مجتمعية تحدّ من انتشار كورونا بدل تعزية بعضنا ببعضنا البعض؟ وهل بتنا في مجتمع منفصم الى هذا الحدّ؟ يكفي أن نتصفّح يوميّا مواقع صبحيّاتنا ومسويّاتنا الافتراضية لنرى أننّا كثيرو الكلام، متميّزون جدّا في نظريات المؤامرة، محنّكون بالفطرة في الالتفاف على المنطق والقانون واجراءات الحماية. ندّعي بامتياز امتلاك الحقيقة المطلقة عن اللقاحات الموعودة.
نتفنن في إلقاء المسؤولية على الدولة. حتّى أنّ بعضنا يجيد الشماتة في المرض وفي الموت، لا سيما إذا كانت الضحية عدّوا في السياسة. أوف، إنّها فعلا لأيّام مُتعبة. ليست وحدها أخبار كورونا ما يُحبط يومياتنا فمشاكلنا المتراكمة منذ أكثر من سنة، كثيرة. غير أن الأكثر إيلاما من المرض، كميّة الشرّ التي بتنا نكتنزها بعضنا لبعض او بالحدّ الأدنى اللامبالاة الفظيعة، وربّما هذا ما يبرّر تدنّي حسّ المسؤولية المجتمعية لتتخطّاها الأنانية بأشواط.
نعم، لمَ لا نسهر في الفالنتاين، كما إرتكبنا في رأس السنة. كفانا إذا أن نلوم الله على ما نقترفه نحن بحقّ بعضنا البعض. قد تكون مجرّد كمامة وتباعد اجتماعي، ولكنّهما التزام أخلاقي يُظهر احترامنا للنفس والروح قبل ذواتنا، ويجسّد امتحانا لنا: هل نحن فعلا شعب يحبّ الحياة أم الموت على قارعة طوارئ مستشفى؟