كلير شكر
هي أشبه "بعصفورية".
لا يُحسد اللبنانيون على وضعهم ولا يُلامون، ولو أنّ حالتهم باتت ظاهرة تنفع لتدرّس في معاهد العلوم الاجتماعية كشعب محبط، يائس، مستسلم، يحيط به الخوف من كل جانب. بمقدور شائعة بسيطة أن تقلب حياتهم رأساً على عقب. وبمقدور خبرية "لا تخرق الدماغ" أن تعرّض سلامتهم للخطر بمجرد تصديقهم أنهم قد يموتون جوعاً. كيف يمكن لشعب بأكمله أن يصدق أنّه سيفقد رغيف الخبز؟ الأرجح أنّ انعدام الثقة بدولته وبكل الممسكين بقراره وبمصيره، يدفعه إلى تصديق أي شيء، أي خبر، أي شائعة وكذبة. تخيّلوا أنّ أي تسريبة من سطرين أو ثلاثة، حول تسارع المشاورات الحكومية لامكانية ولادة الحكومة المستحيلة في وقت قريب، من شأنها أن تهبط بالدولار أكثر من ألف ليرة. لماذا؟ لا جواب.
هو الدولار نفسه الآخذ في الارتفاع "من دون اذن أو دستور" أو من دون مبررات كافية تشرح علمياً كيف تتسلق العملة الخضراء سلّمها وكيف تنزل الليرة إلى قعرها. ويطلّ عليك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بكل "جلالة" هدوئه، ليبلغك أنّه لا بدّ من تعويم سعر الصرف! تخيّلوا أنّه في الوقت الذي تضبط فيه الجمارك على نحو شبه يومي أدوية يتمّ تهريبها عبر المطار، فإنّ الصيدليات تعاني من شحّ "البنادول". هذا الدواء الذي يتناوله اللبنانيون كحبّة "بونبون" صباحاً وظهراً ومساء، يفترض أنّ مستودعات مستوردي الأدوية، تغرق بصناديق "البنادول".
ولكن كل ذلك، قد يكون مفهوماً في سلوكيات الناس التي تعيش الأزمات تلو الأزمات، ما أفقدها المنطق والحسّ السليم وباتت أسيرة "خبرية من هون وخبرية من هونيك"، لدرجة عدم قدرتها على فصل الصح عن الخطأ أو الحقيقة عن الكذبة... ولكن أن تكون طبقة سياسية بأكملها أسيرة "تنبؤات" الأحداث والتطورات الدولية! فتلك مصيبة ما بعدها مصيبة! حتى الآن، لا جواب يقنع على السؤال المركزي: لماذا تتعطّل ولادة الحكومة؟ وحدها الإجابات عن انتظار شيء ما قد يحصل، هو المتوفر. انتظار دخول جو بايدن البيت الأبيض. انتظار نتائج الانتخابات السورية. ومن ثم انتظار نتائج الانتخابات الإيرانية. كلها انتظارات، لا أحد يعرف ما الذي سيتغيّر، وما اذا كان سيتغيّر للأسوأ أو للأفضل، أو أنه سيتغيّر أصلاً. هكذا قررت طبقة برمتها وضع البلد في ثلاجة الانتظار فيما الموت على البطيء على مداخل المستشفيات يحاصر اللبنانيين من دون أن يرف جفن لأي من الجالسين على كراسي السلطة. هل من يخبرهم أنّنا لم نعد نملك ترف الوقت، لا الساعة ولا اليوم ولا الشهر! ومع ذلك، يبدو أن اللبنانيين باتوا "مبنّجين".
لا شيء يحركهم أو يثير فضولهم أو تمردهم. وحدها غريزة البقاء تبقيهم على قيد الحياة وتبقي في أنفاسهم بعضاً من المقاومة لعبور نفق الموت، لا يسألون إلّا عن صحتهم وعن دورهم في صفوف متلقي لقاح، ينتظر ورقة من هنا ووثيقة من هناك، وكأن الوباء حلّ علينا منذ أيام وأصاب السلطة بذهول. في الواقع، يفترض أن تنهي لجنة الصحة النيابية اليوم الصياغة النهائية لمشروع القانون الذي أصرت عليه شركة "فايزر" لتأمين دفعة من اللقاحات للبنانيين. ويفترض بعدها أن يسارع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الدعوة لجلسة تشريعية سيكون بندها الوحيد هو التصديق على هذا الاقتراح الذي تطالب به أيضاً بقية الشركات المصنعة لكي يتمكن القطاع الخاص من استيراد اللقاحات التي باتت متعددة. المفارقة المبكية، أنّ بعض شركات استيراد الأدوية جهّزت ملفاتها ومستنداتها، وهي بدورها تنتظر وزارة الصحة لتمنحها الموافقة.
ومع أنّ الوباء على مسافة أيام قليلة من اطفاء شمعته الأولى لوجوده بيننا، إلّا أن تأمين كلفة الدفعة الأولى من لقاح "فايزر" لا تزال موضع تشكيك. وفق مصادر نيابية، فقد أبدى مصرف لبنان استعداده لدفع مبلغ 4 ملايين دولار وهي الدفعة الأولى المطلوبة من الشركة، فيما يفترض أن يغطي البنك الدولي الكلفة المتبقية والمقدرة بـ18 مليون دولار. وقد جدد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن مشاوراته مع البنك الدولي لتأمين المبلغ. ويفترض مبدئياً، أجل مبدئياً، وفق مصادر نيابية، أن يسدد البنك الدولي هذا المبلغ بلا أي مماطلة أو تعطيل. فتأمّلوا خيراً!