هل صادف مرة وسمعتم بصفة "قبضاي"؟ هي كلمة عربية عامية نستخدمها في لبنان لنصف فيها شخصا قويا لا يخاف شيئا، لكنها مع الوقت أصبحت تستعمل للشخص المتنمر الذي يدعي القوة الممنوحة له بسلطة غيره ويستخدمها ويسخرها في سبيل الاستقواء على من لا تسول له نفسه النزول الى هذا المستوى من "الاسترجال".
يوم أمس لم يكن يوما عاديا للزميلة في قناة الجديد كلارا جحا وزوجها المحامي جيمي حدشيتي وابنتهما الصغيرة، فما حصل معهم يتأرجح بين الهمجية والعنف والتطاول والاعتداء... وكل ذلك بطله "أحد قبضايات" قوى الأمن المدعوم من جهة سياسية حزبية داخل الضاحية الجنوبية، ولا كبير لديه، "فإن كان حزبه معه فمن عليه"؟!
جحا روت في حديث لموقع vdlnews تفاصيل الحادثة التي وقعت بالأمس، وقالت: "كنت في شارع الجاموس في الضاحية الجنوبية مع زوجي وابنتي، ركن زوجي السيارة في خط ثان أمام قاروط مول وبقيت أنا في السيارة في حال اضطر أحد للمرور أو أجبرت على ابعاد السيارة من مكانها، لكن فجأة رحلت السيارات المركونة من حولنا ما أظهر سيارتنا وكأنها تأخذ مكان سيارتين".
وتابعت جحا: "فجأة تقدم شرطي من أمام اشارة السير الينا وأمرني بازاحة السيارة بطريقة هجومية، قلت له بأن زوجي سيعود وينقلها من مكانها الا أن الشرطي استمرّ بهجومه علي وأمرني مرة جديدة بأن أنقل السيارة من مكانها وبدأ بالصراخ علي فعرّفت عن نفسي بأنني الاعلامية كلارا جحا من قناة الجديد"، مضيفة: "عندها قام عنصر قوى الأمن بشتم صاحب المحطة تحسين خياط وبشتم قناة الجديد متهما ايانا بالفساد وبعبارات مسيئة ثم بدأ بتصويري وهددني بأنه سيرسل الصور وسينشرها على مواقع التواصل ليتهمني بالفساد".
وأوضحت جحا: "عندها اتصلت بزوجي وطلبت منه الخروج من المتجر وهو كان في طريقه للخروج أصلا، خرج واقترب من الشرطي وحاول التحدث معه مطالبا اياه بعدم تصويري لأن لا حق له بذلك فما كان من العنصر الا أن هاجم زوجي وبدأ بضربه، وعندما عرّف جيمي عن نفسه بأنه محام بدأ الشرطي بشتم نقابة المحامين، وفي الوقت عينه مرّ شرطي دراج في المكان، وما كان منه الا أن ترجل عن دراجته وخلع خوذته وبدأ بضرب جيمي على رأسه وجسده".
وأكملت جحا روايتها: "اتصل زوجي بنقيب المحامين ملحم خلف وتواصلت أنا مع قناة الجديد ووصل خلف مع مجموعة محامين وقناة الجديد مع مراسل وفريق عمل الا أن ذلك لم يمنع عنصر قوى الأمن من ابراح زوجي ضربا أمام ابنتنا الا أن زوجي لم يبادله الضرب لأنه محام ويعرف انه اذا دافع عن نفسه سيصبح متهما، علما بأنه شتم العنصر بعد أن ضربه لكنه لم يبادله الضرب، كما قرر العنصر حجز السيارة".
وأشارت جحا، في حديثها لموقعنا، الى أنه "بسيارة النقيب ملحم خلف توجهنا الى فصيلة الشياح حيث انتظرنا مع نقيب المحامين ساعة حتى وصل رتيب التحقيق لنتمكن من تقديم شكوى بحق العناصر الذين اعتدوا علينا"، متابعة "خلال تواجدنا داخل الفصيلة قدم العنصر واعتدى على زوجي بالضرب مجددا أمام ضابط برتبة عميد والاخير لم يحرك ساكنا".
"لم يكتف العنصر الجالس في مكتب عادي بذلك، في حين ان زوجي كان مكبل اليدين، بل كان يحضر بين الحين والآخر ليعتدي على زوجي بالضرب ثم يخرج"، وفق ما نقلت جحا.
وفي السياق نفسه، قالت جحا ان "الملف كان لدى القاضي كلود غانم وفجأة أحيل الملف الى القاضي فادي عقيقي في المحكمة العسكرية بضغط سياسي".
بقيت كلارا جحا مع زوجها في الفصيلة حتى الساعة 12 حيث طلب منها التوقيع على سند اقامة والمغادرة، وقالت: "رفضت المغادرة وأردت البقاء مع زوجي الا أنهم أبلغوني بأنه سيتم توقيف زوجي لأنه شتم عنصرا في قوى الأمن وما كان من العميد الا أن أمسكني بيدي وأخرجني من المكان".
مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي انتظر حتى الساعة 12:20 بعد منتصف الليل ليصدر أمرا بتوقيف جيمي ونقله الى حمانا، الخطوة التي تحمل رسالة لكلارا ولقناة الجديد وللاعلام ولنقابة المحامين حيث وضع حدشيتي في آخر نقطة في جبل لبنان.
التواصل مع جيمي الآن ممنوع ونقابة المحامين بدأت بالاعتصام وسيكون الاعتصام مفتوحا، حتى الجسم الاعلامي بأكمله سيتضامن ويتحرك.
هذه القصة ليست فيلما من نسج الخيال، ولا قصة فضائية غريبة عجيبة، بل هي قصة لبنانية بحتة، يستقوي فيها رجل أمن على مواطن فقط لأنه مدعوم سياسيا ويستطيع، فتسقط كل الاعتبارات ومن ضمنها حصانة المحامي حيث تم توقيفه من دون الرجوع الى نقابته، التي كان نقيبها يرافقه في كل خطوة.
في المخفر لم تحترم حصانة الزوج ولا القانون وأصدروا أمرا بتوقيف محام من دون الرجوع الى نقابته علما أن النقيب رافقه منذ البداية.
وعلى أرض الواقع، ومهما كانت مهنة جيمي تبقى الحقيقة أن عنصرا في قوى الأمن، تمكن من تشويه صورة المؤسسة بسهولة ووضوح، وذلك من خلال الاعتداء على مواكن، متناسيا أنه موظف في دولة مهمتها حماية الشعب وليس العكس.
ولربما تكون قصة "قلوب مليانة" منذ الحادثة فائتة مع نقيب المحامين وقوى الأمن، ولربما تكون قصة محرمات تحميها أحزاب، ولربما كانت قصة "قبضيات" على ذمة المثل القائل "يا عنتر مين عنترك قلو عنترني سياسي وما حدا ردني"، الا أن النتيجة واحدة وعي أن عميدا بنجوم تزين أكتافه سمح لنفسه بالجلوس وتأمل عنصر عادي يهاجم موقوفا، وليس أي موقوف بل محام!
لا بد في النهاية من مناشدة مناشدة اللواء عماد عثمان، ومطالبته بالتحرك، لأنه من غير المقبول أن يبقى المحامون والصحافيون مكسر عصا لأي "قبضاي" قرر الاستقواء على الناس، خصوصا وأن المشهد الذي حصل هو عبارة عن "دركي ضرب بهيبة الدولة عرض الحائط"، فهل من مجيب؟