النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
الحديث مع الرئيس جوزيف شاوول، تغنيك الدقائق منه عن الساعات، إذ أنك تستطيع أن تطهو أشهى وليمة على دفء كلمة واحدة أو فكرة لامعة، وهو القائل لي، إنه يدرس يومياً حتى الآن عشر ساعات، فيكتشف أنه ما زال يجهل أموراً كثيرة.
أما حسن الرفاعي، فاذا فاض عليك، من أعماق تواضعه، بلطفه ومديحه، شَعُرْتَ أنك نقطة في خضم علمه، وباذخ ذوقه، ولطيف أدبه، ونظيف سريرته.
الإثنان لا تسري عليهما الألقاب، لأنهما الملقّبان بنوريهما، المعرفان بذاتيهما، كلاهما يجود عليك بما اختزنته سِنوه من قمح المعرفة، ويضيفك في بيادر الفكر وشاسع المرعى، وكلاهما شغل الوزارة كبارق في جُنح الليالي على ما يقول أحمد رامي.
صدّقا في أعماقهما أنهما وزيران في دولة تستحقهما، فلم تصدّق السلطة العليا بعد ذلك ، كيف تخلّصت منهما.
في مقدمة مذكراته بعنوان "حسن الرفاعي حارس الجمهورية" يستشهد بالبروفسور léon duguit عالم القانون الدستوري ومؤسس كلية الحقوق في جامعة فؤاد الأول، وأول عميد لها، إذ يقول :
"La loi constitutionnelle ne peut avoir d'autre sanction que la bonne foie et la loyauté des hommes qui l'appliquent, particulièrement du président de la republique."
أي ليس للقانون الدستوري أي ضابط سوى حسن نية وأمانة الرجال الذين يطبقونه، ولا سيما رئيس الجمهورية، ويضيف Duguit :
" إن كان يحصل أحياناً إحتكاك في مفاصل الآلة الدستورية، فمردّ ذلك إلى "الرجال الذين يريدون التحكم بها أكثر بكثير مما هو عائد إلى خلل في قطع "تلك الآلة. فليبق كل في مكانه وليقم بواجباته، وهو يفكر أولاً في المصلحة " العامة للبلاد، عندها سيكون كل شيء على ما يرام ."
وبمناسبة الميلاد المجيد، وأثناء حديث هاتفي مع جوزف شاوول الذي يحافظ مع شبيب مقلّد على تقليد اللقاء الدوري الذي كانا يستشرفان فيه الآتي ويراجعان بالنقد والتحليل أيام اشتراكهما في المسؤولية ويخصصانه في هذه الأيام للاندهاش والتحسر والاستهجان، عبّر عن رأيه فيما وصلنا إليه بأن قال: إن الجنرال Alain De Boissieu قائد الجيوش الفرنسية وصهر الجنرال ديغول، والأميرال فيليب ديغول، ابن رئيس الجمهورية، لم يكونا ليزورا قصر الإليزية إلا في يومين من العام، هما عيد راس سنة والعيد الوطني الفرنسي، وذلك من ضمن زيارة وفد كبار العسكريين لرئيس الجمهورية. اكتفى، وأنهى المكالمة. فلما رويت هذا لسمير عطالله، أثناء تعليقي الأسبوعي على حديث الأربعاء الذي ينشره في النهار، أجابني بصوت متهدج من آلام عملية الورك: ولكن الذي لا تعرفه أنه في لحظة ما كان الجنرال Alain De Boissieu، أعظم من عمّه الرئيس الذي راودته فكرة الانقلاب العسكري بعد فشله بالاستفتاء فذهب إلى "بادن بادن"، حيث تتمركز الفرقة الفرنسية بقيادة الصهر ليشاوروه في الأمر، فما كان من الجنرال De Boissieu إلا أن نهاه عن الفكرة، قائلاً له "لن تلطّخ تاريخك بهذا".عندها قلت لسمير عطالله إنني أتمنى له الشفاء العاجل، على أن يحافظ على ألم الورك مرة على الأقل في الأسبوع أي ليلة الأربعاء، وذلك تزخيما لمقالاته الموجعة والمحزنة.
من خلال هذه السطور القليلة التي نقلتها عن الأصدقاء الثلاثة الكبار، أدركت ما معنى التكثيف في اللغة والموقف السياسي، وخصوصاً عندما تخرج الكلمة من الحكماء الثِّقات، حيث البلاغة عندهما إجاعة المبنى وإشباع المعنى، بالبلوغ المباشر إلى الآخرعلى جسر يقترب طرفاه ويتناءى عمقه..
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فقد تجلّى التكثيف في تصريح الرئيس المكّلف سعد الحريري بعد خروجه من القصر الجمهوري، إذا أكد أنه ستكون للبنان حكومة قبل عيد الميلاد؛ أرجعني هذا إلى أيام الدراسة، عندما كنا نقرأ كثيراً في كتب التاريخ عن أحداث وعهود وممالك مشفوعة بحرفيْ ق.م.، أي قبل الميلاد. لست أدري إذا انصرف قصد الرئيس الحريري إلى أننا نحيا في عهد ما قبل الميلاد، ولكنني أنا فهمت الأمر على هذا النحو.
أختم بما ختمت به مكالمتي مع سمير عطالله، إذ قلت له، تكفيني محادثات قصيرة مع أمثالكم، حتى أضمن الغذاء لـ "ناقوس في أحد" بوجبات من الرنين الغني، وأضفت: تمنّيت لمقالك بعنوان "لمن تُقرع أجراس بكركي"، بقولك "بأن المبادرة الفرنسية بقيت في فرنسا بينما مضى السياسيون اللبنانيون في بيروت يمارسون عاداتهم" لو أنك أضفت عبارة "لأن السياسيين اللبنانيين لا يتقنون فن المبادارت والتعامل معها، بل هم مختصون بالمباردات أي لحس المبارد حتى آخر نقطة دم لبناني".
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا