جو لحود
انها الثانية عشرة منتصف الليل، تدحرجت عقارب الساعة سريعا، علت الموسيقى، استعرت الصيحات ورمى اللبنانيون ما استطاعوا من بعض اكواب الزجاج لكسرها، عملا بالتقليد الذي يقول انها تبعد الشر والنحس وتوابعهما.
لكن التقليد وعلى ما يبدو تحوّل عن مساره،
فالـ ٢٠٢٠ دخلت واستمرت بالتمزيق والتكسير والرمي بكل ما أوتيت من قوة و صلابة،
على وقع ثورة او حراك او انتفاضة، او سمّها كما شئت، استهل اللبنانيون الـ ٢٠٢٠، كبرت أحلامهم وصرخاتهم، فاحتّل "كلن يعني كلن" الصدارة في العالمين الافتراضي والواقعي.
لكنه كما التجمعات والتحركات واقفال الطرقات، سرعان ما تلاشى أمام لعبة الخطوط الحمراء التي يحلو لرؤساء الطوائف والمذاهب والاحزاب رسمها وتلوينها، كل بالريشة التي اوكلت اليه.
للـ ٢٠٢٠، شباطها الخاص، انه شهر بداية الوباء من مطار لم تحسن الحكومة اقفاله او ترويضه عله لا يستقبل ذاك الذي زيّننا بالكمامات وعطّرنا بمواد التعقيم الصالحة وغير الصالحة.
أهلا و سهلا بالـ Covid-19 في رحاب بلد الأرز!
هنا تخبطت الأرقام، تفاقمت الاجراءات، لكنها بقيت دون نتيجة واضحة المعالم،
والتخبط سار مفعوله أيضا في بورصة الدولار العزيز،
سوق، سوقان، ثلاثة ، وأرقام بدأت ولم تنته حتى اليوم، لكن و الحمدالله "الليرة بألف خير".
و من منا يستطيع أن ينسى خير هذه السنة،
وصل بها الخير، لتمّن علينا بأبهى صور الاختصاص الحكوميّ، فجاءت التعيينات الإدارية بصورة محاصصة واضحة المعالم، و بصفة مكرّر غير معجّل، فتأكدت نظرية العجيبة في النظام اللبناني.
واستمرت الـ ٢٠٢٠، و استمرت معها علامات القلق ترافق المواطن اللبناني في أكله، سكنه وفي كل تفصيل من حياته.
ومن هذه التفاصيل، تصفيق حار خرج من بلاكين العاصمة والأطراف، ليزرع الأمل في قطاع استشفائي عرّته الكورونا ولم تستطع سياسات الحكومة لا بل الحكومات المتعاقبة ان تلبسه ولو ورقة تين.
ومن المستشفيات الى المدارس و افاداتها، اذ، وسم العام الدراسي بافادات قد لا تفيد اجيالها في التقدم والتطور، ناهيك طبعا عن معضلة التعلّم عن بعد و فضائح الانترنت السريع والاجهزة الإلكترونية التي حلّقت أسعارها عاليا كما صديقنا الدولار، و ان ننسى لا ننسى طبعا عبارة "راحت الكهربا واجت الكهربا".
و على هذا المنوال، منوال "تعا و لا تجي"
استمر اللبناني واستمرت الحياة بشكل او بآخر،
الى ان حطّ آب رحاله الثقيلة في قلبنا وعاصمتنا،
نيران الحقد لفت المرفأ وغزت بيروت، فتعالت روائح الوجع، لتزهر شهادة، جرحى، دمارا وآلاف آلاف من انات مفعمة بالكرامة و العنفوان،
جريمة العصر، دمار العاصمة، دمار الحب في مدينة لا تعطي الا الحب،
دمار طال كل اللبنانيين، فعادوا الى الساحات، عرّجت أقدامهم الى وسط البلد فكانت لهم مسيلات الدموع، والرصاصات المطاطات،
لتمسي عيونهم عرضة للإقتلاع وقلوبهم للحرق كما مرفأهم.
المرفأ الذي حطت به رحال الدولة الفرنسية بعد مئة عام من استقلال لبنان عنها،
فعادت بـ"ماكرونها" بطلا يسير بين شعب ممزق متألم، يئن ويشتكي ولا من معتصم يصغي او يستمع.
عادت فرنسا، استقالت الحكومة أو اقيلت، لا يهم، المهم ان الكل تهافت الى قصر الصنوبر،
ومنه تصاعد الدخان الابيض، ليعلن ولادة المبادرة الفرنسية،
مبادرة حجزت بطاقة سفر للسفير أديب، من نوع ذهاب و إياب، فغادر ألمانيا وعاد اليها كما كان
وبين التفجير والمبادرة والاستقالة، قصة شعب، متراصف، متماسك، هب الى عاصمته دون تردد او دلع، فكان الشعب ليس مصدرا للسلطات هذه المرة، اذ انه قد نزع ثقته منها منذ زمن طويل، بل مصدرا للحياة والبقاء، فأنفاس الناس المساعدة في قلب بيروت شكلت لها الإنعاش الذي إعادها الى الحياة، ولو ملطخة بالدماء.
وبالعودة الى سرد مفاصل الـ ٢٠٢٠، نعود الى مبادرة ماكرون الذي وافته كورونا، فعلّقت او ألغيت زيارته الثالثة الى لبنان.
المبادرة التي ابتلعتها السياسة اللبنانية، أعادت الرئيس الحريري، المرشح الطبيعي الى سدة الرئاسة الثالثة و معه عادت المالية الى الثنائي الشيعي، فنام الجميع وبدأت الأحلام السعيدة.
لكن كوابيس الـ ٢٠٢٠ سابقت أحلامها،
فالرئيس مكلّفا لا مشكّلا،
والتشكيلة اضاعت خارطة الطريق في زحمة اوجاع "جهنم" التي أعلنت وصولنا اليها الرئاسة الأولى
وفي طريق اللبناني الى جهنم لا بد من زوم زيتون يتذوقه او يتجرعه
زوم زيتون ودولار محلّق
زوم زيتون ومجتمع عربي مقاطع
زوم زيتون ومجتمع دولي غاضب محذّر
زوم زيتون ووباء قاتل ليس عابر
زوم زيتون وطبقة سياسية تودّع العام بسفر ودفئ وامنيات
زوم زيتون و شعب لبناني يرقص على أوجاعه مستقبلا الـ ٢٠٢١.