ميراي خطار
هي "مسرحية" هزلية أرادوا أن يكسبوا فيها المزيد من الوقت أو "إبرة بنج" كما ارتأى البعض أن يسميها، وكأننا لا نعرف ماذا يعني الادعاء على رؤساء أو وزراء أو نواب سابقين أو حاليين أو حتى على أصغر موظف يتمتع بحماية وحصانة سياسية أو طائفية في هذا البلد.
صحيح أن ما قام به المحقق العدلي القاضي فادي صوان عبر الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء علي حسن خليل، غازي زعيتر ويوسف فنيانيوس هو "عين العقل"، ويعتبر خطوة جريئة، الا أنها أتت منقوصة ومتأخرة فبعد أربعة أشهر من انفجار المرفأ وبعد مئة يوم على توقيف الضباط الأمنيين في المرفأ والذي لا يزال التحقيق معهم يدور حول ما سُمي ب "الإهمال الوظيفي"، المطلوب أن نعرف من تسبب بهذا الانفجار، من تستّر؟ من هرب من المسؤولية وأدخل المواد المتفجرة الى الأراضي اللبنانية ومن سمح ببقائها طيلة هذه السنوات، ومن وضع قنبلة موقوتة لسنوات بين المدنيين والعزّل وفي وسط العاصمة بيروت.
خبر الادعاءات السياسية شكّل قنبلة في الوسط السياسي مع ما حمله من ردود فعل واستنكارات شاجبة للتعرض لمقام الرئاسة الثالثة، فكيف تقرأ عائلة الرائد في أمن الدولة جوزيف النداف الموقوف منذ مئة يوم هذه الادعاءات؟ وماذا حملات الدعم التي غابت عن الرائد الذي قام بعمله وأبلغ عن المواد المتفجرة في المرفأ؟
المهندس حليم النداف، عمّ الرائد جوزيف النداف، أشار الى أن هذه الادعاءات لا تعنينا، ومن غير المستغرب موجة الاستنفار التي أثيرت على الصعيد السياسي والحمايات السياسية التي بدأت تظهر، الأمر الذي استثني منه جهاز أمن الدولة بشخص مديره العام اللواء طوني صليبا والرائد جوزيف النداف المتروكين من دون غطاء سياسي عرضة للتوقيف والاستدعاءات، وكأن التأخير المزعوم مدة ثلاثة أشهر هو من تسبب بالتفجير.
المهندس النداف اوضح أن هذه السلطة ممعنة في الفساد منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقد سجل جهاز أمن الدولة في مرماها هدفا تاريخيا عرّى الوزارات والسلطات العاملة على المرفأ من ورقة التين، وبدل أن يكون هذا الجهاز مثالا يحتذى به أصبح اليوم عرضة للملاحقة أمام القضاء عبر توقيف أحد أشرف ضباطه والاستدعاءات المتلاحقة لمديره العام، ذلك لأنه أضاء على ملف نيترات الأمونيوم في المرفأ.
النداف ذكّر أن اللواء طوني صليبا قد أطلع رئيس الحكومة على خطورة الأمر بتاريخ الرابع من حزيران 2020 اي قبل شهرين تحديدا من الانفجار، وقد برّر الرئيس دياب عدم نزوله الى المرفأ لتفقد هذه المواد بأنه تلقى نصيحة من أحد مستشاريه بعدم خطورة هذه المواد، كما تبلغ بالأمر ايضا المجلس الأعلى للدفاع، وأضاف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أحال الكتاب الى وزارة الأشغال لاجراء اللازم، مؤكدا أن وزارء المالية (وجهاز الجمارك الذي يخضع لها) والداخلية (كما جهاز الأمن العام الذي يخضع لها) والأشغال والدفاع والعدل الذين تعاقبوا من 2013 الى 2020 على علم بالأمر.
وعن سير التحقيقات يقول المهندس النداف إن عدم مثول عضو المجلس الأعلى للجمارك هاني الحاج شحادة ومدير إقليم بيروت بالإنابة موسى هزيمة أمام المحقق العدلي وتأجيل الاستجواب خمسة عشر يوما هو مماطلة، في وقت لا يزال القضاء حتى اليوم يحاسب جهازا أمنيا كأمن الدولة على فترة تأخير لم يحدث خلالها اي جرم لمواد موجودة في المرفأ منذ سبع سنوات بدل أن يبحث عن اسباب التفجير الذي حذر منه الرائد النداف.
وتابع، وبدل أن يكافأ هذا الجهاز على انجاراته بكشفه فساد السلطة، نجد قيادته والرائد النداف، في وضع المدعى عليه، يفتشون عن طريقة للتبرئة فيما هم ابرياء، وختم قائلا الله يكون بعون جهاز أمن الدولة.
مضحك أن نسمع من المُدعى عليهم منذ انتشار خبر الادعاء بأنهم تحت سقف القانون وبأنهم ينتظرون قرار المجلس النيابي ليعلنوا ما اذا كان سيمثلون أمام المحكمة أم لا، فلتسقط هذه الحصانات التي تتمتعون بها، لأن المثول أمام القضاء ليس عيبا ولا تهمةً ولا جرما، وليكن الشعب هو حصانتكم الوحيدة، فاذا كنتم فعلا أبرياء عندها سيصدر الحكم "باسم الشعب"، ومنه ستأخذون صك البراءة وليس عبر حصانتكم التي تتلطون وراءها.