انطوان الاسمر
قرّر العهد، في سنتيْه الباقيتين، نزع كفوف الحرير. لا تردد في القول والمجاهرة بأنه أصيب بالكثير من الضرر والتشظي والتآكل في الموقع والمسار السياسي - الإصلاحي، نتيجة مجموعة عوامل، بدءا وليس إنتهاء بالتفاهم الرئاسي، وإستطرادا منذ قراره التعامل بليونة إستيعابية مع المنظومة السياسية المتأصلة، عمرها من عمر اتفاق الطائف.
لا خلاف بين اللبنانيين على ان تلك المنظومة (ميليشيا السياسة) التي تحكّمت بمقدرات البلد طوال 30 عاما، والتي حطّت على اللبنانيين بغطاء الطائف وعلى أنقاض الدولة، هي إستمرار ذاتيّ لمنظومة ميليشيا الحرب الأهلية (أذرع الخارج في الداخل) التي إفتعلت ما إفتعلته بلبنان واللبنانيين من دمار وتقسيم وفدرلة الأمر الواقع وسطو على مقومات الدولة، طوال الـ15 عاما.
في الأصل، لم تخف تلك المنظومة وجهها الميليشيوي، لا إبان الحرب ولا بعد الطائف. تباهت به، وتشابكت وتعانقت وتقاطعت لكي تحفظ حصصها وما راكمته من مكتسبات على حساب اللبنانيين، من جيبهم، من الخزينة إياها التي تنعيها اليوم.
مدّت المنظومة يدها على المال العام، مال اللبنانيين، منذ خديعة سندات المصرف المركزي، توازيا مع تمديد وضع يدها على ملف النفط والفيول، الكنز الذي غذّاها ورفدها قوة وجبروتا وثروة، الى جانب نفط الخليوي في مرحلة من المراحل. فكيف يُطلب منها اليوم أن تتخلى عن هذا الكنز؟ وهل من عاقل يصدّق أن هذا التخلّي أو التنازل سيتمّ بيسر وسهولة؟ فلننتظر ما ستخرج به جلسة لجنة الأشغال والطاقة (المؤجلة أسبوعا تحت وطأة المستفيدين الراغبين في تأبيد إفاداتهم المالية والميليشيوية) من فضائح وروائح في ضوء اجتماعات التنسيق في الليالي الملاح، ليس أقلها ذلك الإتجاه المشبوه لإعادة شركات الوساطة من النافذة بعدما خرجت من الباب مع إنتهاء عقد شركة سوناطراك. هل سيسكت اللبنانيون او يتغاضون عن عملية الإبتزاز التي تصيبهم راهنا: إما شركات الوساطة (مموِّلة المنظومة إياها) وإما لا فيول، أي لا كهرباء، او ما تبقى منها، في غضون أقل من شهر؟
ما يجري راهنا أن المنظومة نفسها قرّرت الإنتفاض، والأصح الإنقضاض على حفلة العري السياسي – الفضائحي – القضائي التي أصابتها مقتلا، بفعل الكم الهائل المُختزن من الفضائح والصفقات، الكمّ والنوع نفسه الذي يدركه إيمانويل ماكرون (ومعه بالطبع عواصم القرار المعنية) والذي تحدث عنه في لقاء قصر الصنوبر في أيلول الفائت.
هال المنظومة ما أصابها من جراح مثقلة، فقررت توحيد الجهود وتنظيم الصفوف ووضع الخطط ورفع السواتر والتحصّن بثياب الميدان والإتشاح بعصب الحرب، لغاية وحيدة – فريدة: التصدي لـ "غرفة عمليات اللقلوق"، وكنيتها الحركية - الكودية "غرفة الأوضاع"!
هكذا صار جبران باسيل، الذي تعيب عليه المنظومة انه محاصر في بيئته وحزبه وعائلته ومنزله وبالكاد يتنفّس – كما تقول-، نتيجة العقوبات الأميركية وبفعل المسار السياسي الذي إختطه لنفسه، هو قائد غرفة العمليات والدينامو القضائي ونابش قبور الصفقات، وكاتب مسلسل الملفات على الـLBCI والمموّل والمنتج والمخرج!
-لكن من اين المال، تَسأل، وهو المحظَّر عليه النظام المصرفي والمالي منذ أن وضعت العقوبات رحالها وأقفلت المصارف حساباته وحرقت بطاقاته في اللحظة عينها التي عمّمت فيها وزارة الخزانة الأميركية إعلانها الشهير؟
-من رجال أعمال ومال.
-كيف هذا، فيما منطق الأمور يفيد بأن رجال المال ينفرون بسرعة البرق من سيرة العقوبات؟ ثم كيف يكون باسيل خلف مسلسل الـLBCI، وقد طاله ما طال غيره من شظايا، بصرف النظر عن صحة ما كُتب وبُثّ ؟
بالطبع، لا جواب!
خلاصة كل هذا، ان الكلام عن "غرفة عمليات اللقلوق" بلغ حدّاً هستيريا، هذيانيا. تنسب اليها موبقات تركيب الملفات، كأنها ليست حقيقة ساطعة. تُنسب إليها أيضا، بخفّة بالتأكيد، الإدعاءات الأخيرة في ملف تفجير المرفأ. تُرمى بتهمة الكيد وتنظيم الحملات وتسييسها وتمويلها وتأطيرها وتقطيرها، الى جانب تعطيل التشكيل الحكومي، كل ذلك لغرض واحد: تعويم باسيل وحظوظه الرئاسية.
لكن ما هو عديد تلك الغرفة التي أنشئت في اللقلوق في غضون أيام قليلات، كما يُشاع؟ يأتي الجواب الصادم بأنها من 5 أفراد! 5 فقط، لكن خارقون، قادرون على كل تلك المعجزات وكل ذلك التركيب والتلحين والتلحيم والتمويل!
حقيقة ما يحصل تكمن حصرا في أن لا ضرورة لكل الهستيريا والهذيان والتخيلات والماورائيات، متى تُخلع كفوف الحرير. الباقي على القضاء .. والقدر!
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا