الان سركيس
يبدو أن أفرقاء اللعبة الداخلية سلّموا الأمر لما ستحمله التطورات الخارجية بعدما فشل كل الرهان على الإنتخابات الأميركية.
يوماً بعد يوم يدفع الخارج باتجاه إجراء حل جذري وموضوعي للأزمة اللبنانية، لكن الأفق المسدود داخلياً يدلّ على ان "التعنت" باقٍ كما هو وكل شيء يشير إلى أن الحلّ لا يزال بعيداً.
وتكبر كرة الهموم الإقتصادية والمالية مع الحديث الجدّي عن رفع الدعم ووضع المصرف المركزي الجميع أمام مسؤولياتهم مع ما يحمله إستمرار الدعم العشوائي من استنزاف لودائع الناس، كما أن رفعه وعدم استهداف الأسر الأكثر فقراً ببطاقات تمويل مدعومة سيؤدّي إلى كارثة إجتماعية لأن أسعار المحروقات والأدوية ورغيف الخبز ستصل إلى أسعار خيالية لأصحاب الدخل المحدود.
وفي هذه الأثناء، يواصل رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط توجيه سهامه بطريقة هادئة لكن بنبرة عالية، وقد استهدف بالأمس "حزب الله" حين اعتبر أن "المنتصر الأكبر والعامل الأقوى هو "حزب الله"، فهو يقوم بترتيباته العملانية على الأرض، فلديه مثلاً مؤسسة "القرض الحسن" التي أصبح لديها ATM وتوزع للمواطنين الذين ينتمون اليها مبلغاً ويستطيع المواطن أن يسحب من خلاله تقريباً خمسة آلاف دولار مقابل رهن ذهب، في حين نلاحظ أن المواطن اللبناني يعاني من المصارف المالية وأمواله المحجوزة، لذلك نرى أن "حزب الله" في مأمن ومرتاح ونحن في مأزق".
ويربط البعض سهام جنبلاط الأخيرة ضدّ "الحزب" بأنها تأتي في سياق "تناتش" الحصص الحكومية وسط الحديث عن صراع خفي بين "الإشتراكي" و"الحزب" على وزارة الصحة، لكن الحقيقة أبعد من ذلك، فطبعاً لجنبلاط مصالح حكومية وفي مؤسسات الدولة، وكلها تلعب دوراً في السياسة اللبنانية، بينما أساس هجومه هو على ما آلت إليه الأوضاع في لبنان.
ويرى جنبلاط جيداً أن لا تغيير في موازين القوى على الأرض في لبنان لأن الوضع الإقليمي والدولي باق كما هو، لذلك سيستمر الستاتيكو القائم على ما هو عليه، وهذا ما يُكرّس ويمدّد فترة سيطرة "حزب الله" على الحياة السياسية.
من جهة ثانية، يشاهد جنبلاط مدى تأثير "حزب الله" على اللعبة الحكومية، فهو من أهم المساهمين في إجهاض المبادرة الفرنسية ونسف مشروع حكومة السفير مصطفى أديب عبر تمسّكه بوزارة المال، ولا يزال يفرض شروطه ويريد ما يريده من الرئيس المكلّف سعد الحريري، كذلك فان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا يزال الحليف الموضوعي لـ"حزب الله" على رغم العقوبات الأخيرة التي فرضت على رئيس "التيار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل ويتحكّم بالتوقيع الحكومي مهما قيل عن تراجع في صلاحيات رئيس الجمهورية بعد "الطائف".
يتميّز جنبلاط بواقعيته وقوله للأمور إما تلميحاً أو مجاهرةً، لذلك فهو وصف الوضع المالي لـ"الحزب" كما هو، ويعلم جيداً ان للأخير نظامه المالي المستقل ولم تؤثّر عليه العقوبات الأميركية، بينما هو وبيئته ومعظم الشعب اللبناني يعانون من شحّ الدولار وحجز ودائع الناس، من هنا أتت "لطشته" المالية لعلّ صداها يصل إلى الأميركيين، ومفادها أن العقوبات أضرّت بنا وليس ببنية "حزب الله".
كل تلك الأمور تدفع الزعيم الدرزي إلى التشاؤم أكثر وأكثر، خصوصاً أن كل الضربات التي يتلقاها محور الممانعة وإيران تحديداً لم تؤثّر عليه، فالرئيس السوري بشار الأسد لا يزال يمسك بكرسي رئاسة الجمهورية السورية، والحركات الشيعية المدعومة من إيران لا تزال تنشط، أما داخلياً فـ"حزب الله" لا يزال قوياً، لذلك فالأمل معدوم من قيامة دولة وتسليم سلاح كل الميليشيات المسلحة.