النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
أبدأ بالتحسُّر على تلفزيون لبنان، الذي يعاني من العسر والفاقة، وهو الثري الغني. وأرثي لحال الشاشة المنزلية التي كانت العائلات تلتفّ أمامها، في مواعيد محدّدة، لتشاهد الإبداع المنبثق من الأسود والأبيض، فتغتذي بما يجود به المبدعون.
أرشيف التلفزيون الوطني، جزء ثمين من ملك الدولة العام، وقد قلتُ في مناسبة سابقة إننا دولة غنية بإدارة مفلسة، ولقد انعكس هذا إفلاساً مزمناً أخرج هذا المرفق الجميل من دائرة المنافسة، فيما لا تزال المؤسسات التي ورثته تعيش على فتاته، إنتاجاً وتراثاُ ومواهب ومخرجين وممثلين وإدارايين.
رثائي لحال التفزيون اللبناني، مقدمة لرثاء رمزي نجار، الذي مارس الامتداد الفني الواعي والمشروع لذلك العهد، مستثمراً بصورة شرعية أخوة النسب، وحسب الأدب من خلال موسوعية مروان نجار، الذي بثّ على تلك الشاشة القديمة من بين ما قدّم برنامج "المتفوّقون"، فتعرّفنا على المتسابق المدهش محمد توفيق أبو علي، وعلى الألسنيّ الاستثنائي د.هاشم الأيوبي، وعلى رهط من الأساتذة من أمثاله، كما على المتفوّقين الذين وجدوا من ذلك الشباك فرصاً للتحليق.
أعاد رمزي إنتاج "المتفوّقون"بحُلَّة "المميّزون" بعد أن ألبسه الألوان الزاهية، بدلاً عن لونيْ الحداد أي الأسود والأبيض، ونوَّع ضروبه، وزجَّ فيه المعلومات الرصينة بأساليب مشوّقة، فحطّم أرقام المشاهدة، وأثبت أنّ ذوق المشاهدين أعلى مما يظنّه الإعلام الرديء، فحقّق مع فريقه المحترم (شكري فاخوري، محمد أبو علي، ووليد نجار وجيزيل خوري) المتعة والفائدة والرقيّ كما كان دأب أخيه مروان الذي كنت أراه متوارياً خلف ابتسامة الرضا عما ينجزه الشقيق الشاب من فن رفيع.
أحببتُ في رمزي معالم البهجة على أساريره، والثقة المبنية على العلم الوطيد، فهو إلى جانب ما تلقّاه من مدرسة العائلة تلميذ نجيب لخليل حاوي وأنطوان غطاس كرم، وأحببتُ فيه أيضاً خفة الروح في الأداء بحيث يشعرك أنك تشاركه الحوار رغم أنك تسمعه ولا يسمعك، وأحببت على وجهٍ أخص بحَحَاً في صوته يدل على أن الكلام يخرج من جوارحه فيجرح أوتاره ويطرب الأذان.
بيني وبينه لقاء أسبوعي، إذ يعلق دائماُ على ناقوس الأحد، فقرتي عبر "صوت كل لبنان"، ويُضفي عليَّ محبّته وذلك من خلال الرسائل النصيّة والصوتيّة، وفي أحيان كثيرة كنا نشفع المراسلة بالمكالمة، ولقد سألني مرة إن كنت أنوي كتابة مذكراتي فأجبت لقد كتبتها فعلاً بقصيدة طويلة واحدة، فاتّفقنا على أن يكتب المقدّمة، وكم سررتُ بذلك.
لفتني على مدى أحديْن أنه لا يتلقى رسائلي ، فخلت أنه في سفر، فدهمني أنه كان في مرحلة ما قبل السفر الأخير، فتكتْ به الجرثومة، وهو الطارد لجراثيم التفاهة والإسفاف، فافترست رئتيْه، وراحت تسدّ مسام التنفس خليةً، خليةً، حتى كان لها ما أرادت، فحرمت الإعلام والأدب، والثقافة، والفن، من طيب سجاياه، ورقة شمائله، وحسن المعشر.
تحدثتُ مع السيدة ليلى من دون سابق معرفة، فوجدتُ أنه عرّفها عني غياباً، وقدّمتُ العزاء للأديب والكاتب المسرحي الكبير والمثقّف مروان نجار، وكذلك لابن عمته صديقي العزيز معالي الدكتور ميشال نجار، وأنا أعزّي أيضاً، ربَّ العائلة الأول القديس يوسف النجّار، بل كل نجّار مرهف يعيد الخشب إلى أصله الشجريّ برونق أخضر من يانع الريشة، وخصوبة الحبر.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا