مشاورات التأليف وصلت إلى طريق مسدود. وبدلاً من البحث عن التوافق، يرفع الرئيس المكلّف تأليف الحكومة، سعد الحريري، من منسوب شروطه، في انعكاس لتشدّد الولايات المتحدة الأميركية الرافضة مشاركة حزب الله في الحكومة. في المقابل، تسعى موسكو إلى إقناع الحريري «بالتشاور مع الجميع»، ومن بينهم جبران باسيل.
مفاوضات تأليف الحكومة معطّلة، بعد انقلاب الرئيس سعد الحريري على جميع تعهداته السابقة لمختلف شركاء التأليف. انقلاب الحريري، بحسب عارفيه ومطّلعين على المشاورات، ليس ذاتياً. بل هو ناتج من التشدد الأميركي الذي وصل إلى الذروة بقرار العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، معطوفاً على ما تبلّغه الحريري من السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، لجهة رفض بلادها أي مشاركة لحزب الله في الحكومة، سواء عبر حزبيين أو بواسطة «اختصاصيين» يسمّيهم الحزب. وبحسب مصادر معنية، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فوجئ بالسلبية التي استجدّت في مواقف الحريري، وظهرت على شكل شروط جديدة على آلية توزيع الحقائب على الكتل، كما على أسماء الوزراء الذين سيتولّون هذه الحقائب.
وزادت السفيرة الأميركية أمس من مستوى ضغوطها على الحريري، بقولها إن بلادها «تريد تحاشي فشل الدولة في لبنان، ويجب أن تكون لهذا الأمر الأولوية القصوى، لكن لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلاً أكثر من رغبتهم هم فيه». وأكدت في الوقت عينه، بحسب ما نقلت عنها وكالة «رويترز»، أنه «لا خطط إنقاذ للبنان من دون إصلاحات»، مضيفة: «اكتسبنا حنكة. وسيكون هناك نهج تدريجي خطوة خطوة، ولا شيء مجانياً». وقالت شيا إن على المانحين التشبث بموقفهم، وإلا فإن النخبة السياسية لن تأخذهم على محمل الجد. وأضافت «إذا لم يشعروا بأهمية عنصر الوقت لتأليف حكومة، فكيف نواصل الضغط عليهم؟ هم ينظرون إلينا ولسان حالهم يقول «حاولوا أن تجعلونا ننفّذ الإصلاح، سيكون من الممتع مشاهدتكم تحاولون ذلك».
كلام شيا يبدو تكراراً لموقف وزير خارجيتها، مايك بومبيو، الذي أعلنه في زيارته لبنان في آذار 2019، ووضع لها هدفاً وحيداً، وهو الهجوم على حزب الله وعزله. ومنذ ذلك الحين، يموّه الأميركيون هدف إخراج حزب الله من الحكومة، بعبارة «إصلاحات». وكرر بومبيو ذلك أكثر من مرة طوال العام الجاري.
ويبدو جلياً أن الجانب الفرنسي يلاقي الأميركيين في سياستهم، من خلال اتفاق الجانبين على تحميل مسؤولية تأخير تأليف الحكومة لباسيل، عبر القول إنه العقبة التي تحول دون إبصار التشكيلة الحكومية النور.
وفي الأيام الأخيرة، تزامن ارتفاع منسوب التهديدات الأميركية ــــ الفرنسية، مع عودة سعر الدولار الأميركي إلى الارتفاع في مقابل الليرة. وهذا التغيّر بسعر الليرة بات «لعبة» واضحة، هدفها تقديم الحريري كمنقذ سياسي وحيد، والضغط على خصومه وشركائه في التأليف، من أجل تحميلهم مسؤولية تدهور سعر الصرف.
في المقابل، دعت روسيا (احمد حاج علي) الحريري إلى التفاوض مع جميع الكتل النيابية، من دون استثناء أيّ فريق، حتى الذين لم يسمّوه خلال الاستشارات النيابية التي حصلت في قصر بعبدا. فبحسب مصادر مطّلعة على التواصل الدبلوماسي القائم بين الجانب الروسي والجهات اللبنانية، تدفع موسكو باتجاه «البدء في حوار لبناني وطني شامل من دون تدخل أجنبي، ليساهم ذلك في تأليف الحكومة المنتظرة في أسرع وقت». الدعوة الروسية للحريري بالتشاور مع مختلف الأطراف الممثلة في البرلمان تعني بشكل خاص رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. فقد علمت الأخبار أن «التواصل الروسي مع الحريري وباسيل مستمر للدفع بهذا الاتجاه»، علماً بأن السفير الروسي ألكسندر روداكوف ينشط من ناحية الزيارات البروتوكولية والسياسية التي تشمل مختلف المراجع السياسية والحزبية والدينية في بيروت، من منطلق «حرص روسيا على استمرار علاقات الصداقة التاريخية مع لبنان بمختلف أطيافه، حتى مع من لا تتفق موسكو في مواقفها معهم ولا تشاركهم النظرة نفسها تجاه الملفات السياسية التي تعني المنطقة». وبناءً على ما استقاه روداكوف من جولاته، فقد زوّد خارجية بلاده «بتقارير مفصّلة حول نتائج جولته، وحملت معظمها تقييماً إيجابياً، ما قد يفسر على أنه تجاوب لبناني بخصوص المقترح الروسي».
في موازاة ذلك، ذكرت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للبنان لم تُلغَ من جدول الأعمال، بل هي مؤجلة بانتظار توافر الظروف الملائمة. ورأت المصادر أن تأليف الحكومة المرتقبة سيكون عاملاً حاسماً في تحديد موعد زيارة وزير الخارجية الروسي. فبناءً على الاتصالات المتبادلة بين الخارجية الروسية وبعض الجهات اللبنانية المرتبطة بمسار تأليف الحكومة، ترى الأوساط المطّلعة أن «مسألة التأليف بعد التوافق حول الأسماء، ممكنة قبيل نهاية هذا العام. وبذلك تكون زيارة لافروف أيضاً ممكنة قبيل نهاية العام».
من جهة أخرى، أصدرت الخارجية الروسية بيانأ لخّص لقاء نائب وزير الخارجية الروسية مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السيد ميخايل بوغدانوف، الذي جمعه بسفير لبنان شوقي بونصار يوم أول من أمس. وتضمن البيان تأكيد بوغدانوف «دعم روسيا الدائم لسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وضرورة حل كل المسائل المطروحة على جدول الأعمال الوطني من قبل اللبنانيين أنفسهم دون أي تدخل خارجي». وأملت الخارجية الروسية «استكمال عملية تأليف حكومة جديدة فاعلة في المستقبل القريب». إلا أن اتصالات كل من المكلفين بالملف الروسي من فريق الحريري وباسيل ببوغدانوف، على ما تقول المصادر، تشير الى أن «الأبواب لا تزال موصدة بين الطرفين». من جهة أخرى، تحدث البيان عن «تبادل معمّق للآراء حول قضايا الشرق الأوسط، مع التركيز على تطورات الأوضاع في لبنان وما حوله، بالإضافة الى موضوع عودة النازحين السوريين ونتائج مؤتمر دمشق الأخير». وعلمت «الأخبار» أن تقييم الخارجية الروسية لمؤتمر عودة النازحين من ناحية مشاركة لبنان جاءت إيجابية، إلا أن «النتائج لم تأت على قدر الآمال بسبب عرقلة الدول الغربية ودول خليجية لآليات عودة النازحين وتمويل هذا المسار».
إعفاء الطلاب اللبنانيّين في روسيا من الأقساط؟
مسألة القيود المفروضة على اللبنانيين الراغبين في السفر الى روسيا، ومن ضمنهم الطلاب الذين يتابعون دراستهم في المعاهد والجامعات هناك، كانت موضع بحث بين السفير اللبناني في موسكو، شوقي بونصار، ونائب وزير الخارجية الروسية، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميخايل بوغدانوف. وذكّر بونصار بطلب سفارة لبنان عبر عدة كتب رسمية أرسلت إلى قسم الشرق الأوسط في الخارجية الروسية وإلى وزارة التربية وبعض الجامعات والمعاهد، النظر في إعفاء الطلاب اللبنانيين من الأقساط الجامعية المستحقة عن العام 2020-2021، وذلك تبعاً للظروف الاستثنائية التي يعانيها اللبنانيون نتيجة الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية، وبسبب القيود المفروضة من المصارف على التحويلات المالية الى الخارج. تمنّي بونصار إيجاد حلّ عملي وسريع لمشكلة الطلاب، قابله نائب وزير الخارجية الروسية بوعد بمتابعة الموضوع، موضحاً أن «السلطات الروسية اضطرّت إلى تشديد التدابير وإجراءات قيود السفر على الكثير من الدول، ومنها لبنان. وهي تأتي من باب حماية المقيمين والوافدين نتيجة تفشّي وباء كورونا».