غادة حلاوي
على ماذا اتّكل الرئيس المكلف سعد الحريري يوم أعلن ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة؟ كيف بنى رهاناته؟ وعلى من اتّكل لإنجاح مهمته؟ وعلى ماذا يراهن اليوم سوى على الوقت ليخرج رئيس الجمهورية منهكاً رافعاً العشرة لرئيس الحكومة ربما، او ليأتيه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل مستغيثاً؟ أو على "حزب الله" و"الثنائي الشيعي" الذي زكّى ترشيحه وعمل له فكانت العقبى تجاهلاً الى حد العتب الكبير الذي عاد ليخيم على أجواء عين التينة تجاه الحريري. كل من يلتقي رئيس الحكومة المكلف يعيد التأكيد انه لا يفكر بالتراجع والاعتذار. وعلى أي أساس يعتذر وما البديل؟ لا شيء.
في الحلقة المفرغة تدور المشاورات حول تشكيل الحكومة. مراهناً على الوقت، يعتقد الحريري انه لا بد سيأتي اليوم الذي سيضطر فيه الرئيس ميشال عون وباسيل للتسليم بشروطه والرضوخ لمشاركته بتسمية الوزراء المسيحيين. خلال آخر زيارة الى بعبدا سُئل الحريري: لماذا تعطي الاطراف الاخرى حقها في تسمية وزرائها من دون تدخل منك وتريد مشاركة الحصة المسيحية بالحصص والتسميات؟ لا يملك الحريري الاجابة على مثل هذا السؤال. صارت معركته مع باسيل عنواناً لتزايد شعبيته في الوسط السني وورقة رابحة تعزز موقعه السياسي في المستقبل. باتت هذه هي معركته الأساسية لا سيما وأن كثراً داخل الطائفة ومن منظريها ينتظرون عند أول مفرق للتصويب عليه لو تراجع قيد انملة. منذ اعلان ترشيحه راهن على الازمة الاقتصادية والانهيار والحاجة الى شخصية منقذة. وبالفعل تمّ تصويره على انه المنقذ، تراجع سعر صرف الدولار نسبياً، واستقرت الاسعار رغم فداحة الازمة لكن الاجواء صارت مغايرة لمجرد تكليفه. بنى الحريري على هذا الواقع وانطلق متحدياً باسيل، وهنا ايضاً استفاد من تعدد خصوم باسيل وصولاً الى العقوبات الاميركية. كل من حوله كانوا يصفقون لصوابية خياراته ولا يزالون، ويدفعون به الى الامام، ومن بينهم من نصحه بان اجتماعه مع باسيل سيعد ورقة رابحة لخصمه وليس له. حتى الموفد الفرنسي باتريك دوريل تبنى وجهة نظر الحريري وذهب يطلب نجدة "حزب الله" للضغط على باسيل. تمحورت زيارته في الاساس حول دعم تكليف الحريري وطلب تسهيل مهمته.
وفي الوقائع، لا يمكن للحريري ان يقول انه يحصر مشاوراته مع عون متجاوزاً كل الكتل النيابية. فالحقيقة انه فتح خطوط تواصل مع الجميع من "الثنائي الشيعي" الى "الاشتراكي" الى "القوات" التي ارسل اليها اشارات غزل وتودد، على خلفية موقف رئيسها الاخير بخصوص تشكيل الحكومة. وهنا ايضاً وحده باسيل مستثنى. والمفارقة ان بعض المجاهرين بأحقية الحريري في اختيار الوزراء يبدي خلف الكواليس امتعاضاً من محاولة الهيمنة على الحصة المسيحية.
لم يجد الحريري من يقول له ان المراهنة على عامل الوقت كما على نتائج الانتخابات الاميركية لن تجديه نفعاً بالنظر الى استحالة تغيير الوقائع. قد يلمس مرونة من قبل عون وباسيل في المشاورات لكنه لن يحصد تراجعاً، والمراهنة على الازمة الاقتصادية لم تعد تنفع كما لا تنفع المراهنة على "حزب الله" الذي لن يتدخل بينه وبين باسيل، وفي المقابل لن يقف في مواجهة حليفه. هذا الحليف الذي حررته العقوبات الاميركية تماماً فما عاد يحتاج الى تدوير زوايا ولا الى المهادنة ولا تنفع معه مقولة ولاية العهد والانجازات. باسيل قبل العقوبات ليس كما قبلها. سلّف الرجل حتى لم يعد يملك ما يخاف عليه. خطوة العقوبات الاميركية لم تكن مصيبة ولم تجدِ نفعاً بل عقّدت مساعي رئيس الحكومة لتصب في صلب المطلب الاميركي بالتعطيل. والاشارات الاميركية كثيرة ومنها ما قاله وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في فرنسا وسخريته، خلال حضوره مأدبة عشاء اقامتها السفيرة الاميركية هناك من مبادرة الفرنسيين وزيارتهم لـ"حزب الله".
كثيرة هي العوامل التي تؤثر في تشكيل الحكومة، من الاميركيين الى الفرنسيين الى الايرانيين و"حزب الله" الى الحريري ذاته، وطبعاً رئيس الجمهورية، لكن كلها مجتمعة قد تنتفي في حال قرر الحريري تجاوز هذه العوامل الى تشكيل حكومة بالتفاهم مع عون. أقله هذه مقاربة بعض المعنيين بالملف الحكومي. صار الحريري يحتاج الى مقاربة جديدة في التعاطي مع تشكيل حكومته، حتى رهانه على الفرنسيين وحدهم لن ينفع لان الفرنسيين كرسوا انفسهم مع زيارة دوريل طرفاً، وخوفه من الاميركيين لن يسعفه. من أتى بالحريري وزكّاه لرئاسة الحكومة لن يتنازل عنه او يسقط تكليفه. لا يزال يعتبره الأقوى سنّياً ولكنه لن يدعه يشكل حكومة تكون بمثابة اداة لتلبية مطالب الاميركيين. جزء من المشكلة كما يراها هؤلاء هو رهانات الحريري فهل يعيد النظر فيها، ام ان الحكومة ستصبح في علم الغيب، خصوصاً مع اي مغامرة محتملة للرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يرفض الاعتراف بهزيمته انتخابياً؟