الإعلامي بسّام برّاك
توقيتُ الولادة يستحقُّ مع كبار سطعوا وِقفة كتابة أكثرَ من لحظة غيابهم... وفي أعلى روزنامة الفرح يتهادى اسمُ صباح، و أراني أميلُ الى إضاءة شمعة ميلادِها الثالثةِ والتسعين (١٠ ت٢ ١٩٢٧) قبل إطفاء شمعةِ رحيلِها السادسة (٢٦ ت٢ ٢٠١٤).
فالفرحُ ميزتُها، ولو انّها لم تنله عَبثًا. وصل إليها بعد جبالٍ من تعب، وبحارٍ من سفر، واغتراب ووحدة رغم ضجيج وضوضاء زَيّنا حياتَها. ستّون سنةً فأكثر في درب الغناء والتمثيل، وصباح تمشي مع السنين، تتباهى بأنّ عمرَها ليس من عجنة الأيّام العاديّة، وتتأنّق بنقاء كياستِها وصوتِها فوق بزوغ الفجر وسطوع الشمس.
صباح، كانت دائمًا تمشي وكأنّها تطير.
فراشةٌ أصابتها جروحُ الوقت، وأتقنتِ الدنوَّ من الضوء من غير أن تحترق. هي من القليلات اللاتي احترفْن التفاعلَ مع السعادة، والتلقُّحَ بلَقاحها كلّ سنة مرّة حين تتمَولد لتظلَّ عافيتُها تنضحُ من وجهها مثلما صوتُها ينضحُ من حَنجرتها، إلا أنّ الله لم يتدخّلٍ ليكفّ يدَ الموت عنها أو ليديرَ وجهه عن فكرة ملاقاتها، و ليأذن لها أكثرَ من الكثير، بقليل!
فكم كان لصوتِها تأثيرٌ على ظروف حياتِنا ولم ننتبه، وكم كان لبنانُ يرقصُ بصوتِها فوق ندوبِه ولم نشعر إلّا بالندوب، وكم بلسمت بضحكتها دمعًا لكننا بقينا نذرفه من عيون المدن وأهلها والبيوت.
ها هي اليومَ تحتفي بعيدها وكأنها هنا... تستعدُّ لتسريح أغنيتِها بيد صوتها مُصرّةً في ذكرى ميلادها على النظر من نافذة رحيلها صوب الوقت والعمر والمسرح والغناء بعينيها الحلوتَين تحت جبهةٍ شقراءَ أغرت نجومًا ورجالَ فنّ وسياسة وثقافة، وأسقطت كثيرين في خطيئة الجمال والدهشة من غير أن تَسقط.
وكأنّي بصباح تسير على نهر العمر بلا اضطراب، تُخفّف منسوبَ ملحِ السنين بالماء الحلو وبالصوت الجمال، وتتنقل على موج الوقت ممَسرحة عودتَها بحرفة غنائها لتتفادى الرحيل رغم أنها فيه، فيما الرحيل لم يصدّق بعد أن "صباح" تسكنُه يوما.