د. سارة ضاهر - رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان
يُعَدُّ إهداء الكتب من أجمل الهدايا التي يمكن أن يتلقاها الإنسان، فهي لا تحمل فقط قيمة معرفية، بل تعكس أيضًا كرم المانح ورغبته في مشاركة المعرفة. وكان الدكتور بلال الأرفه لي كريمًا حين أهداني بعضًا من أعماله المميزة، التي تُعَدُّ إضافة نوعية للمكتبة العربية، وتعكس عمق بحثه في التراث الأدبي واللغوي العربي.
الاختيار الأدبي بين الماضي والحاضر
من بين الكتب التي كان لها أثر خاص، يبرز كتاب “فن الاختيار الأدبي: أبو منصور الثعالبي وكتابه يتيمة الدهر”، حيث يتناول الدكتور الأرفه لي بالدراسة والتحليل منهجية الثعالبي في جمع النصوص الأدبية واختيارها، مسلّطًا الضوء على دوره في تشكيل الذائقة الأدبية في القرن الرابع الهجري. يدرس الأرفه لي البعد النقدي والجمالي في انتقاء النصوص، موضحًا كيف استطاع الثعالبي تقديم بانوراما شاملة لأدباء عصره، مما جعل “يتيمة الدهر” موسوعة أدبية مرجعية.
لكن قيمة هذا العمل لا تتوقف عند استكشاف طريقة الثعالبي في جمع النصوص، بل تمتد إلى تحليل أعمق لدور الانتقاء الأدبي في تشكيل الثقافة العربية. فهل كان الثعالبي مجرد جامع للنصوص، أم أنه كان ناقدًا يوجّه الذائقة الأدبية نحو أنماط معينة من الإبداع؟ هذا السؤال يطرحه الأرفه لي ويجيب عليه عبر دراسة دقيقة للمصادر، مما يجعل الكتاب مرجعًا لا غنى عنه للباحثين في الأدب العربي الكلاسيكي.
إضاءات على أعمال أخرى
إلى جانب هذا الكتاب، قدّم الدكتور الأرفه لي العديد من الإسهامات المهمة في مجال الدراسات الأدبية واللغوية. من أبرز أعماله:
• “التحولات في الأدب العربي الكلاسيكي”: يتناول فيه تطور الأجناس الأدبية في التراث العربي وتأثيرها على الإنتاج المعاصر.
• “اللغة والمعجم في التراث العربي”: يناقش فيه نشأة علم المعاجم العربية وأهم النظريات التي سادت في تصنيف المفردات.
• “التصوّف والأدب: تداخل النصوص والمعاني”: يُلقي الضوء على العلاقة بين الكتابات الصوفية والأدب العربي، مستكشفًا كيف أثّر التصوف في تطور الشعر والنثر العربي.
هذه الأعمال تعكس تنوع اهتماماته البحثية، التي تجمع بين الدراسات الأدبية، اللغوية، والتاريخية، مما يجعله واحدًا من أبرز الباحثين في هذا المجال اليوم.
كرسي الشيخ زايد ودوره في دعم البحث العلمي
يشغل الدكتور الأرفه لي منصب أستاذ كرسي الشيخ زايد للدراسات العربية والإسلامية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو موقع أكاديمي متميز يتيح له الإشراف على مشاريع بحثية رائدة في مجالات اللغة والأدب والفكر العربي. يُعتبر هذا الكرسي من أهم المؤسسات التي تدعم البحث العلمي في العالم العربي، حيث يساهم في نشر الدراسات المتخصصة وتنظيم مؤتمرات وندوات تُعزّز من الحوار الثقافي والعلمي.
هدية لا تُقدّر بثمن
تلقّي أعمال الدكتور بلال الأرفه لي كهدية لم يكن مجرد تلقي مجموعة من الكتب، بل كان فرصة للاطلاع على دراسات رصينة تغوص في عمق الأدب العربي وتعيد قراءته برؤية حديثة. إن كتاباته لا تسهم فقط في توثيق التراث، بل تقدم أدوات جديدة لفهمه وتحليله، مما يجعلها مرجعًا أساسيًا للباحثين والمهتمين بالدراسات العربية.
يبقى السؤال: كيف يمكن أن نستفيد من هذه الرؤى النقدية في قراءة الأدب العربي اليوم؟ ربما يكون الجواب في تبني منهجية الاختيار، تمامًا كما فعل الثعالبي في “يتيمة الدهر”، وكما فعل الأرفه لي في إعادة قراءة التراث الأدبي بعين الباحث المعاصر.