النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
من باب الترويح عن النفس، في حال التأزم، تأخذني ذاكرتي إلى الوراء في سلسلة من تداعي الفِكر..
من ذلك، أنه عندما اجتاحت الدراجات النارية مناطق عدة، تذكرت أن أول ما تعلمته في اللغة العربية هو فصل (درج عرج)، وقد ارتبط في ذهني وقتذاك، أن الطفل عندما يغادر مهده يدرج، فهو صبي حابٍ أو دارج، وبالتالي فإن مساحة حركته تسمى مَدْرج، لا مُدَرَّج - لأن التُدرج هو المرقاة إلى أعلى كما جاء في القاموس. أما فعل عرج، فيتنمي إلى مرحلة متقدمة من الطفولة، حيث أن الحركة تخطت الحبو على أربعة، إلى اللهو بالسير برجل واحدة، مع ما ينطوي ذلك على مخاطر الوقوع.
من باب الفضول ذهبت إلى موقع غوغل، فأفادني أن الدراجة الهوائية اخترعها مهندس إيطالي العام 1481 اسمه جيوفاني فونتانا، ثم تطورت من أربع عجلات إلى ثلاث ثم عجلتين عبر مخترعين عدة من جنسيات مختلفة. اما الدراجة النارية التي اخترعها العام 1885 الألماني (ديملر) فقد تطورت على يد مساعده (مايباخ) إلى ان جاء اليابانيون بقيادة (هوندا) ليهيمنوا على الساحة في أواخر الستينيات.
يعود الفضل في استعمال العجلات للمصريين القدامى، كوسيلة تسهل الانتقال إلى أن وصلنا إلى عصور ضاقت فيها الشوراع عن السيارات، فانتشرت الدراجات النارية كمركبة تعين الأفراد على الخروج من السير الخانق. ولكن هذا الاختراع الحميد، ساء استعماله إلى درجة أن الدراجين الناريين، يندلعون في الشوارع كألسنة اللهب، ويشكلون مخاطر على المارة وعلى أنفسهم في ظل انحلال نظم الرقابة على سلامة الطرقات.
نحن شاهدنا ونشاهد كثيرًا في الأشرطة السينمائية، مناظر عصابات الدراجين الذين يطلقون جعيرهم، فيلقون في قلوب الناس رعدة، ويستبيحون المرور والمارين وحقائب السيدات ولكنني واثق ان المخترع الأصلي والذين تبعوه من المخترعين ، وكذلك شركة "هوندا"، لم يدر في بالهم يومًا أن آلاتهم المخترعة أصبحت لغة سياسية ناطقة ببريد ذي هدير ووعيد. ساعي البريد القديم كان يُستقبل بالاستبشار واللهفة، إذ كان يقود دراجة هوائية بكماء، ويحتقب الرسائل التي يوزعها بسلام على المرسل إليهم، أو يضعها في صنادقهم الخصوصية، لكن الرسائل النارية الأخيرة دليل على أن المرسل خانه لسانه وقلمه، فاستبدلهما بالضجيج، عله بذلك يغلب حاسة الخوف على العقل والتبصر.
تعمّدت أيها الأصدقاء ان آخذكم معي في هذه الجولة على دواليب هواء الإذاعة أبرد فيها نفوسكم، وأقول عبر أسماعكم انه بعد الويل العظيم الذي حل بلبنان، والويل الذي ينتظره، صار أولى بنا أن نهجر اللغات الجلفة إلى لغة هادئة تدلنا على الطريقة التي يجب علينا اتباعها، صونًا لما تبقى من وطن ومن أمل. فنتنياهو عندما دمر غزة وقطع أوصال الضفة، وفعل ما فعل في جنوب لبنان، أعلن انه يرسم خريطة الشرق الاوسط الجديد.
السيد ترمب صرح بالأمس أن مصر والاردن سترضخان لاستقبال الفلسطنيين بعد ترحليهم؛ علينا إذن، كما نبه الرئيس ميشال سليمان منذ مدة إلى ان لبنان لاسيما جنوبه، ليس بمأمن من ذلك الطوفان المنتظر، ونأخذ بالغ الحيطة.
خاتمة القول، إن حماس وفتح، قد أبلغتا أهل فلسطين وأمة العرب، والعالم اجمع، ربما للمرة المئة بعد المئة أنهما اتفقا على توحيد السلطة الفلسطينية، فيما لا يزال الخلاف العميق يذر بقرنه بينهما.
آن للبنانيين والفلسطينيين، ان يخرجوا من خرافات الغلبة والسيطرة، فبالكاد يؤدي تآلفهم إذ حصل، الى تجحيم الخطر الداهم.
يقول أحمد شوقي:
إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما
وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ
وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا