لماذا يخجل العرب من لغتهم؟
لماذا يخجل العرب من لغتهم؟

خاص - Monday, January 20, 2025 9:41:00 AM

د. سارة ضاهر - رئيسة مجمع اللغة العربية في لبنان

في زمن تتحول فيه اللغات إلى أدوات للهيمنة الثقافية، تبدو اللغة العربية وكأنها تخوض معركة صامتة من أجل البقاء. فبينما تُعتبر العربية إحدى أقدم اللغات الحية وأغناها من حيث الجذور والتراكيب، تواجه تحديًا وجوديًا في قلوب أبنائها قبل أن تواجهه في ميادين الثقافة والسياسة. لماذا يتجنب كثير من العرب استخدام لغتهم الأم في حياتهم اليومية؟ ولماذا باتت الفصحى في أعين البعض رمزًا للجمود والتخلف، بينما تُرفع اللغات الأجنبية إلى مرتبة الحداثة والرقي؟ هل نحن أمام أزمة هوية لغوية أم أمام اختيار واعٍ تفرضه متغيرات العصر؟

اللغة بين الاعتزاز والخجل
لماذا يخجل العرب من لغتهم؟ سؤال يحمل في طياته إشكالية عميقة تتجاوز مجرد الاستخدام اليومي للفصحى أو العامية. الخجل هنا لا يعني فقط النفور من استخدامها، بل يمتد إلى الشعور بعدم الانتماء إليها في سياقات الحياة الحديثة. يُظهر هذا الخجل في اللغة خيطًا خفيًا يربط بين الثقافة واللغة والهوية؛ إذ يعكس تخلي الفرد عن لغته تراجعًا ضمنيًا في الاعتزاز بثقافته.

العربية والحداثة: صدام أم سوء فهم؟
ترتبط اللغة العربية في أذهان البعض بالماضي، بكل ما يحمله من تاريخ ديني وأدبي. لكن هذا الارتباط لم يعد بالنسبة للجميع باعثًا للفخر، بل أصبح عبئًا يحول دون ربطها بالحداثة والتكنولوجيا. فاللغة في عقول الكثيرين ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي انعكاس مباشر للصورة الاجتماعية. عندما تُصور الفصحى على أنها لغة جامدة، معقدة، أو غير صالحة للتعبير عن الأفكار العلمية والتقنية، يتحول الابتعاد عنها إلى وسيلة للتماهي مع الحداثة والتطور.

التعليم كعامل هدم بدلاً من البناء
من أبرز إشكاليات اللغة العربية طريقة تدريسها. فعلى الرغم من مكانتها السامية، تُعامل في المناهج الدراسية كعلم جامد قائم على الحفظ والتلقين. يتخرج الطالب من المدرسة حاملاً خوفًا من القواعد النحوية أكثر من حبه للغة نفسها. في المقابل، تُدرس اللغات الأجنبية بطريقة عملية تجعلها قريبة من حياة المتعلم. هذا التباين يعزز شعور الطلاب بأن العربية عبء ثقيل، بينما اللغات الأجنبية نافذة على المستقبل.

الإعلام واللغة: أداة تهميش أم جسر؟
يلعب الإعلام دورًا رئيسيًا في تشكيل العلاقة بين الفرد ولغته. للأسف، تهيمن اللغات الأجنبية واللهجات المحلية على المحتوى الإعلامي، بينما تُهمَل الفصحى إلا في السياقات الرسمية أو الأدبية. حتى في المحتوى العربي الرقمي، تبدو الفصحى كأنها لغة ثانوية تُستخدم لتزيين الخطابات، لا للتواصل الفعلي. هذا التوجه يجعل الأجيال الجديدة ترى العربية الفصحى كلغة “غير ضرورية” في عالم يتسارع نحو العولمة.

اللغة كهوية مهددة
الإشكالية الكبرى تتجاوز السؤال عن استخدام اللغة إلى السؤال عن ارتباط اللغة بالهوية. إذا كانت اللغة تمثل ذاكرة الأمة وروحها، فإن تراجع مكانة اللغة العربية يعني عمليًا تراجع الهوية الثقافية العربية. فكيف يمكننا أن نتحدث عن تطور مجتمعاتنا دون أن نملك لغة قادرة على احتضان هذا التطور؟

إحياء اللغة أم قبول التغيير؟
هل الحل في استعادة مكانة اللغة العربية كما كانت، أم أننا بحاجة إلى قبول فكرة أن اللغة تتغير بتغير العصور؟
1. التغيير من الداخل
العربية لغة غنية ومرنة، لكنها بحاجة إلى تحديث في طرائق استخدامها وتعليمها. يجب أن نعيد تقديمها بلغة العصر، لغة تواكب العلم والتكنولوجيا دون أن تفقد هويتها.
2. المحتوى الرقمي: ميدان معركة جديد
المحتوى الرقمي يمكن أن يصبح ساحة لاستعادة مكانة العربية، شرط أن يتم الاستثمار في تقديم محتوى عصري، ينافس ما تقدمه اللغات الأخرى.
3. تطويع الفصحى بدل مقاومتها
بدلاً من النظر إلى الفصحى كخصم للعامية أو للغات الأجنبية، يجب أن ننظر إليها كجسر يمكن أن يربط بين الأصالة والحداثة.

الخجل من اللغة العربية ليس مجرد ظاهرة لغوية، بل هو علامة على صراع أعمق يتعلق بالهوية الثقافية والمكانة الحضارية للعرب في عالم متغير. السؤال ليس فقط: لماذا يخجل العرب من لغتهم؟ بل أيضًا: كيف يمكننا أن نعيد لهذه اللغة مكانتها في نفوس أبنائها؟ الإجابة لن تأتي من الدفاع العاطفي عن العربية، بل من إعادة اكتشافها كأداة ديناميكية قادرة على التجدد والتكيف مع متطلبات المستقبل.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني