لبنان يواجه تحديات اقتصادية حادة تشمل انكماشاً اقتصادياً حاداً وتدهوراً في قيمة العملة، مما أثر بشكل كبير على الأوضاع المعيشية. ومن أبرز القضايا التي تحتاج إلى حلول عاجلة هي إعادة هيكلة الدين العام وإصلاح القطاع المصرفي الذي يواجه انهياراً تدريجياً، إلى جانب توحيد سعر صرف الليرة اللبنانية بين السوقين الرسمي والموازي. هذه الإجراءات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتنفيذ إصلاحات شاملة بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، خصوصاً صندوق النقد الدولي.
في الوقت نفسه، يواجه لبنان تحديات إضافية تتعلق بتحقيق الشفافية المالية ومكافحة التهرب الضريبي وتبييض الأموال للخروج من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي. هناك تساؤلات حول قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات حاسمة لتنفيذ الإصلاحات الضرورية ضمن إطار زمني محدد، وهو ما يتطلب خطوات عملية تعيد الثقة وتضع لبنان على مسار التعافي الاقتصادي المستدام.
هيكلة الدين العام بحاجة إلى هذه الخطوات
وفي حديث لـ Vdlnews، أكد الخبير المصرفي والاقتصادي بهيج الخطيب أن "هيكلة الدين العام تعتبر من الركائز الأساسية لاستعادة الثقة في لبنان، ويجب أن تكون على رأس سلم أولويات خطة الإصلاح الاقتصادي والتعافي التي تقرها الحكومة بعد نيلها الثقة."
وأضاف: "يفترض أن تضع خطة لاستعادة هيكلة الدين وجدولته مع فترة سماح لا تقل عن سنتين أو ثلاثة، لا تترتب خلالها أي فوائد على الدولة اللبنانية. فهذا مشروع يتم إقراره بالتوافق مع كبار الدائنين، خصوصاً حملة اليوروبوند."
وتابع: "يجب إقرار هذا القانون بواسطة لجنة تشكلها الحكومة فور نيلها الثقة من مجلس النواب، وهي لجنة وزارية تستعين بخبراء اقتصاديين وغيرهم."
"وأكمل: "هذه اللجنة يجب أن تقر مشاريع إصلاحية متكاملة تشمل الإصلاح الاقتصادي والإداري والمالي والنقدي والمصرفي، وتقر المشروع خلال شهر، ثم تقوم بتحضيره على شكل مشاريع قوانين. ولكن، لا تذهب بها إلى مجلس النواب، بل تطلب منه الموافقة على منح صلاحية إصدار هذه القوانين بمراسيم اشتراعية تأخذ قوة القانون."
وقال: "إذا توجهت هذه القوانين إلى مجلس النواب، فسيحرقها ويضعها في الأدراج أو تُلغى من مضمونها."
لبنان خارج اللائحة الرمادية؟
وكشف الخطيب أن: "خروج لبنان من اللائحة الرمادية يرتبط أولاً بشكل الحكم الجديد الذي يوحي بالثقة داخلياً وخارجياً ويُريح (FATF)، فيكون لها نظرة إيجابية لمسار الاقتصاد في لبنان."
وأردف: "ثانياً، موضوع الإصلاحات التي تُقر يُحدث تراجعاً كبيراً في الاقتصاد النقدي، فمع تطبيق هذه الإصلاحات، يعود الناس إلى المصارف ويبدأ استخدام البطاقات البنكية في عمليات الدفع والتحويل. عندها يتراجع الاقتصاد النقدي حتماً، وعندها (FATF) تتجه نحو رفع لبنان من اللائحة الرمادية وإعادته إلى اللائحة الخضراء."
لا إصلاح للمصارف إلا...!؟
وأشار الخطيب إلى أن "القطاع المصرفي برمجته ليست صعبة، إنما يحتاج في الدرجة الأولى إلى استعادة الثقة وضخ السيولة في شرايين القطاع المصرفي اللبناني من خلال المشاريع، خصوصاً تلك التي تترافق مع الدعم الناتج عن إعادة الإعمار، مما يضع سيولة في البلد. كما يجب تشجيع المغتربين والمستثمرين اللبنانيين والعرب للعودة وضخ السيولة في لبنان."
واستطرد: عندما يُضخ المال في لبنان، سينعكس ذلك تلقائياً على المصارف، وستستعيد عافيتها. من هنا، المطلوب من مصرف لبنان، بتوجيه من وزارة المالية والحكومة، إعطاء البنوك فترة قد تكون سنتين لإعادة رسملتها بالكامل بأموال "فريش"، وفق معايير وأرقام جديدة وبالدولار وليس بالليرة اللبنانية."
وأكد: "خلال هاتين السنتين، إذا البنك الذي أعاد رسملته استمر في عمله، أما إذا لم يتمكن من إعادة رسملته، يقوم مصرف لبنان بوضعه على لائحة التصفية. ويشكل مصرف لبنان بنكًا موحدًا يضم جميع البنوك التي تذهب إلى التصفية."
خلاف بين المجلس المركزي ومصرف لبنان والسبب...
وأشار الخطيب إلى أنه "ليس هناك فجوة بين السوق الرسمي والسوق الموازي، ولا توجد مشكلة، إنما توحيد سعر الصرف وتحريره هو الأهم. لأن التوحيد فقط لا يكفي، والأهم من التوحيد هو تعويم سعر الصرف. وهذا موضع خلاف بين المجلس المركزي ومصرف لبنان، حيث يوجد انقسام في الرأي بين مؤيد لتعويم سعر الصرف، ومؤيد للسعر الذي أقره مصرف لبنان والذي هو السعر الرسمي في الوقت الحالي."
وأضاف: "عندما تُقر كل هذه الإصلاحات، يجب على مصرف لبنان أن يحرر سعر الصرف ويقوم بتعويمه. ويصبح مصرف لبنان بائعًا أو مشترٍ للدولار من أجل الحفاظ على الاستقرار في سعر الصرف، الذي يتوقف على التطورات إيجابًا أو سلبًا. والمبالغ التي يضخها في السوق يستطيع أن يشتريها ويعيدها إلى المصرف، ويعوّض النزف الذي حصل بأسعار أقل، ويحافظ على الاستقرار ضمن هامش معين يقترحه هو."
استئناف المفاوضات والمبلغ غير كاف
لفت الخطيب إلى أنه "من المناسب استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولكن ليس وفق الشروط التي يرتئيها، لأن أحد أهم شروطه هو تخفيض أزمة الدين العام ليصبح 100% من حجم الاقتصاد."
وتابع: "عندما كنا في عز استقرارنا، كان الدين العام 100 مليار دولار، وكان الاقتصاد 55 مليار دولار، مما يعني تقريبًا حوالي 200%".
وأكمل: "اليوم أصبح حجم الاقتصاد 18 مليار دولار، ويمكن أقل، والدين العام بالدولار لا يزال 40 مليار دولار، مما يعني أن النسبة أكثر من 200%. فمهما حاول صندوق النقد الدولي خفض الدين من خلال خطته، وهي إطفاء الديون وشطب الودائع، فإن هذه الخطة إجرامية. ويجب إعطاء الثقة للمودع."
وقال: "الدولة مُدينة بكل هذه الديون، التي كانت 100 مليار دولار وأصبحت الآن 40 مليار دولار و60 مليار بالليرة اللبنانية ويجب على هذه الدولة أن تتعهد بإرجاع الودائع كاملة من خلال الخطة الإصلاحية إلى المودعين، وتمنحهم الثقة بأن أموالهم مضمونة في البنوك. كما يجب أن تُقر قانون الكابيتال كونترول لتنظيم عملية دخول وخروج الأموال من البلد."
وختم: "إلى أي مدى يستطيع صندوق النقد الدولي أخذ بعين الاعتبار الواقع اللبناني، لا أعلم. والمبلغ الذي سيعطينا إياه غير كافٍ، وسيقوم بتقسيطه إلى عدة دفعات وليس دفعة واحدة. فالقصة معنوية ويجب أن يأخذوا ظروفنا بعين الاعتبار".