حالة لبنانية صحيّة
حالة لبنانية صحيّة

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, January 12, 2025 4:43:00 PM

 
النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
 
قال أحد الأصدقاء أقترح أن تضيء في "الناقوس" القادم على حالة لبنانية صحية، وهي أن جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، والذي أحرز بألمعيته مكانته المرموقة، وكان مرشحًا جديًا لرئاسة الجمهورية، هو ابن نجار مجتهد اسمه بدوي أزعور، من بلدة سير في أقصى شمال لبنان.
وأن ابن قرية العيشية في أقصى الجنوب، العماد جوزيف عون، قد أصبح رئيسًا لجمهورية لبنان؛ كلاهما لا ينتميان إلى إحدى العائلات الحاكمة أو المهيمنة، ولكنهما كانا على مدى الفترة الماضية مَعْقِدَيْ أمل للخروج من الأزمة السياسية والدستوية الخانقة.
 
أنا أقدّر الاثنين تقديرًا كبيرًا، ومسرور جدًا لأن العماد عون تخطى بجدارة العقبات التي وضعت في درب رئاسته، ومنها الحقيقي وأغلبها المخلّق، فلقد ظل الرجل محافظًا على ترفعه ورباطة جأشه وقوة أعصابه، وصلابته في عدم الانزلاق إلى المساومات. لكن المفرح جدًا، أن البنية اللبنانية المبتلاة بأنواع الأمراض والتسلط والتغول، والتصدع الاجتماعي والاقتصادي، والاعتداءات الاسرائيلية الدائمة، تستطيع أن تفرز العصاميين ذوي الأرومة العادية، أبناء الناس العاديين، ليكونوا مؤهلين لارتقاء أعلى المناصب؛ وجدت لدى التدقيق أن الفضل في هذا يعود إلى أن أغلبية الطبقات الاجتماعية اللبنانية، ومنذ مقررات المجمع اللبناني المنعقد في دير سيدة اللويزة العام 1736 والذي قرّر إلزامية التعليم، تعير اهتمامها الأول لتعليم أولادها، وأن حرية التعليم قد حرثت حقولًا شاسعة، ونثرت فيها بذارها، فلا تعلم من أي أرض نبأ النبات الصالح، ومن أي فسيلة فتح الورد، ومن أي غرس أينع الثمر، لأن لبنان في حقيقته، جدارة علمية في مدارس كثيرة.
 
أعود إلى العيشية القرية الحدودية المنسية في الجنوب المظلوم، فأجد أن أهلها تغلبوا على التهميش بالكدح، وعلى جيرة العدو القاتلة، بالصمود وعلى بعد المسافة بجسور الانتماء، وذهاب أبنائها إلى الجيش كحامٍ للحدود والوطن، وكان من هؤلاء العماد جوزيف عون الذي ظل يمارس ولاءه للوطن والمؤسسة حتى آخر خلجة من جوارحه ومن أدنى الرتب إلى أعلاها، وجعل أبوابه مفتوحة الفرص لأمثاله من أبناء الناس البسطاء، وموصدة تمامًا في وجه الشفاعات والوساطات والمساومات. في كثير من المرات كنت أسرّ لأصحابي، أن الاعتراضات الظالمة والحملات المفترية على الرجل، سببها استقامته وجديته ورصانة أدائه، حتى كاد يكون ضحية حسناته. الحمدالله أن الخاتمة كانت على خير، ولكنني لا أهمل الإشارة إلى أنه كان بإمكاننا الوصول إلى هذه النتيجة منذ زمن طويل، لولا ان التجاذب السياسي العقيم كان بين فئات قصيرة النظر، لم تستطع قراءة النشرات الجوية الإقليمية والدولية، ولم تستطلع المزاج الشعبي العام، فقبعت في عنادها وانعدام بصيرتها، وقوقعة أحقادها، حتى جاءت اللحظة التي لم نكن نتمنى شكلها حيث وجد النواب أنفسهم محاطين بالارادة العربية والدولية، فذهبوا إلى ما تمنعوا عن القيام به منذ وقت طويل، حيث كان يمكن ان ينسب إليهم فضل الحل، أما الان فإنني أقول لكل من ادعى هذا الفضل، إن ادعاءه الزائف والمتأخر بات مكشوفًا امام أعين الشاشات، وتحت نظر شرفات المجلس التي ازدحمت بالمجتمع الدولي.
 
كانت كلمة ملحم خلف مبدئية ومنسجمة مع مبيته الطويل في غرفته في المجلس النيابي وكذلك مداخلة الدكتور أسامة سعد، وكانت كلمة رئيس الكتائب رصينة وتصالحية، أما ما عداها فكان يمكن تلافيه، لا سيما الجزء البذيء منها الذي زاد عريًا عرينًا أمام أعين ممثلي الدول.
 
إن هناك من عطّل تعديل الدستور عمدًا لكي يشكك بشرعية الرئاسة كلما أملت عليه مصلحته، وأعترف بأن الدول حاصرت الحضرة السياسية اللبنانية، حصارًا حميدًا، لأنها سعت إلى إخراج إرادتنا من الشلل، وعلاج آذاننا من الصمم، وإنعاش حِسِّنا من البلادة. في حديث شريف للرسول عليه الصلاة والسلام:
 
"ربك يعجب من أقوام يجرون إلى الجنة بالسلاسل"              
كلمة أخيرة عن خطاب القسم، فقد جاء مكملًا للعملية الانتخابية التي فتحت الآفاق الواسعة فحدد معالم تلك الافاق بعبارات جامعة مانعة، ونبرة قوية، وبراءة ملامح خلقية. لقد تأخر انتخابه لأنه رفض الدخول إلى السوق، وفي صحيح مسلم ان الرسول قال:" أبغض البلاد إلى الله أسواقها".

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني