النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
على هامش الحكم الدولي، وعلى حدوده مع بعض التجاوز، ومن غير تعمّق في النص الطويل جداً جداً، تلحّ عليّ ملاحظات أولية، أسجّلها على سبيل الاحتياط، ودفعاً باتجاه نقاش قانوني سياسي لا بد منه حيال جريمة العصر ومحاكمة العصر التي حبسنا أنفاسنا عمراً طويلاً بانتظار ما ستنطق به بعد تمحيص عشرات آلاف الصفحات.
في البدء علينا التنبّه إلى أنّ هذا الحُكم ليس نهائياً، بل هو خاضع حتماً للاستئناف من قبل وكيل الدفاع عن سليم عياش، وربما لجأ مكتب النائب العام إلى الطعن به لجهة تبرئة المتهمين الثلاثة.
الملاحظة الثانية أنّ الرئيس سعد الحريري قد تلقف النتيجة برباطة جأش وحسٍ بالمسؤولية الوطنية والعائلية، مجدداً إيمانه بأن الجريمة لا تفيد، وبأن هذا الحكم قد وضع حداً لتجهيل الفاعل في معظم الجرائم السياسية حيث سقط رؤساء ورجال دين وأهل قلم وفكر بالوسيلة ذاتها، أي التفجير الإرهابي من غير أن يُعْرَفَ المجرم المعروف، حتى صارت السيارات المفخخة أنجح حجة لحسم الحوار السياسي والاختلاف.
ألفت النظر أيضاً إلى أن كثيراً من الرأي العام انتابه الإحباط من انحصار الإدانة بشخص واحد، علماً أن المتهمين الذين جرت تبرئتهم ذوو أدوار ثانوية، والعبرة ليست بالكم بل بمندرجات الحكم التي أفضت إلى الفقرة الحكمية.
أشير أيضاً إلى أن كل من اتّهم المحكمة بالتسييس فقد طلاقة لسانه وآثر سياسة النأي بالنفس.
بعد هذا، يتحكّم بي طبعي المهني فتأخذني عيناي إلى ما وجدته عيوباً كان يمكن تلافيها وتناقضات في السياق يشف على أن الكتابة لم تكن تتبع نهجاً فكرياً واحداً، ودليلي على ذلك:
-يعتري الحكم اضطراب واضح لجهة الأدلة الظرفية، حين يرفضها مرة ثم يعتمدها مرة أخرى، الأمر الذي يدعو للاعتقاد ان المحكمة ليست على موقف واحد في مسائل قواعد الإثبات.
-يجزم الحكم أن بعض المتهمين اشتركوا في إخفاء أبو عدس، وتلفيق بيانه الذي يزعم مسؤوليته عن الاغتيال، ولكنه في الوقت عينه ينفي وجود دليل على معرفتهم بالغرض الذي كان وراء أعمال التضليل والمراقبة، فكيف غاب عن الحكم أنّ إعلان المسؤولية عن الاغتيال قبل وقوعه، هو دليل قاطع على الضلوع فيه، أو العلم به على الأقل؟؟
-إن قرار إنشاء المحكمة تضمّن بعد مساومة طويلة بين فرنسا وروسيا، عدم جواز ملاحقة أو محاكمة منظمات أو دول، وذلك ضمن تسوية أصر عليها الروس لحماية سوريا. ولذلك، فإن المراقب يستغرب ذهاب المحكمة إلى تلك المنطقة المحظورة، والتوغل فيها، ليستخرج نتيجة مؤداها أنه لم يقم الدليل على ضلوع قيادتي حزب الله وسوريا بالجريمة الإرهابية، فماذا لوجدت المحكمة دليلاً على ضلوعهما أو ضلوع أي منهما، فهل كانت تستطيع أن تدينهما رغم الحظر المشار إليه في قرار مجلس الأمن ؟
ثم كيف يستقيم معها هذا التعليل في الوقت الذي تؤكد أن الجريمة سياسية، وأن القرار قد اتخذ بتنفيذها بعد زيارة وليد المعلم للرئيس رفيق الحريري وبعد اجتماع البريستول الذي تمثل فيه الرئيس؟ وكيف يستقيم الأمر أيضاً وقد جزم الحكم أن هناك مصلحة للحزب وسوريا في الخلاص من الرئيس الحريري..
أما كان الأولى به تجنب هذه المنقطة المفخخة التزاماً بصلاحياته، وتجنباً للتناقض؟
- إن الحكم الذي جزم بصورة لا تدعو إلى الشك أو الالتباس، وبصورة يقينية، أنّ المتهم سليم عياش مذنب بالاشتراك في كل ما نُسب إليه، أغفل أي إشارة شركائه وإلى عدم وجود دافع شخصي للاغتيال، وإلى مهمته الحزبية، فأختزل الأمر بنتجية مبهمة يحار فيها الألباء، علماً أن المحكمة تعلم تمام العلم أن جميع المتهمين حجبوا عن التحقيق بحماية معلومة ومعلنة.
- خالف الحكم القانون اللبناني الوجب التطبيق فبرّأ المتوفي مصطفى بدر الدين بدلاً من الاكتفاء بإسقاط دعوى الحق العام عنه.
لن أسترسل أكثر من ذلك، ولكني أذكّركم جميعاً بمهندس شاب ذكي بل عبقري، اكتشف الحلقات الحمر والخضر والصفر والبنفسجية، والفوق بنفسجية، وحدد جغرافية المراقبة، من خلال الاتصالات المقفلة فدفع حياته ثمن قيامه بواجبه، فأغفل الحكم ذكره وغفل عن سبب اغتياله وعن اغتيال قائده اللواء وسام الحسن، ثم راح بعد ذلك يتنقل بين تلك الحلقات من غير أن نلحظ مجهوداً لافتاً من من قبل الادعاء أو التحقيق النهائي على تعزيز ما توصّل إليه الرائد المهندس الشهيد وسام عيد ابن بلدة ديرعمار الشمالية.
هل يلومني أحد بعد ذلك إن وصفت الحكم بما وصف امرؤ القيس حصانه:
مكرٍّ.. مفرٍّ.. مقبلٍ.. مدبرٍ.. معاً