نداء الوطن
نفضت بلدة رميش غبار الحرب المتصاعد من حولها، وأطلقت العنان لصوت الفرح، بعيداً من أصوات التفجيرات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في بلدات يارون وعيتا الشعب وغيرها المجاورة.
جاء السوق الميلادي بمثابة "رسالة أمل من خلف الدمار"، وأكثر من ذلك، شكّلت الاحتفالية الميلادية التي انطلقت داخل البلدة، التي تتوسط الكثير من بلدات قرى بنت جبيل المدمرة، "قيامة أمل جديدة"، على ما يقول كاهن البلدة الأب جورج العميل، الذي أشار إلى أن الهدف هو "خلق جو من الفرح بين الأهالي".
في ساحة كنيسة التجلي في البلدة أقيم السوق الذي نظمته الندوة الثقافية في رميش بالتعاون مع كشاف لبنان. وكان السوق غاب العام الماضي بسبب الحرب، غير أنه عاد الآن بنسخته الرابعة، ويحوي محطات ترفيهية وغنائية وحتى "كيوسك" للمأكولات المختلفة، ما خلق واقعاً مختلفاً في البلدة، واعتبر الكاهن أن "العيد يحمل غصة، فآثار الحرب ما زالت ماثلة، حيث الدمار في كل القرى المحيطة".
لطالما حرّكت أجواء الميلاد عيتا الشعب وبنت جبيل التي كانت تتزين بزينة الميلاد، غير أن الحرب والدمار حالا دون ذلك اليوم، وفق ما يشير كاهن البلدة. لكنه رأى في سوق الميلاد في رميش فرصة لعودة أبنائها إليها، وإعادة بث الحياة داخلها من جديد بعد توقف قسري لعام ونصف، تعطلت خلالها كل مناحي الحياة.
تكاد تقفز الفرحة من وجوه الأطفال الذين غصّت بهم ساحة الكنيسة، مرّ عام ونصف دون أن يشعروا بالفرح، فالحرب حرمت البلدة من أجواء الفرح، لكن المشهد مختلف حالياً، حيث تغص ساحة الكنيسة بالزوار، الذين حضروا ليعيشوا بعضاً من فرح العيد، الذي تقطعه بين الحين والآخر أصوات التفجيرات التي تطال عدداً من القرى.
بين النشاطات الحرفية والثقافية والفنية وحتى ألعاب الأطفال، تتنوع احتفالية ميلاد رميش، التي قررت أن تستعيد بعضاً من عافيتها، وفق ما تقول رئيسة اللجنة الاجتماعية بالندوة الثقافية كارول الحاج، والتي أضافت: "إنها نشاطات تعيد الفرح للبلدة، وتحث من غادرها للعودة إليها ولو في زيارة".
وهكذا، حرّك السوق العجلة الاقتصادية في البلدة، واستعاد التجار عافيتهم، وعادت الحركة إلى سابق عهدها. فالبلدة التي تقع عند الحدود مع اسرائيل، والتي تعرضت للحصار طيلة الأشهر الثلاثة الماضية، عادت إليها الحياة. وتشدد الحاج على كلمة "أصرينا" من خلال إقامة السوق، "على الرغم من الغصة التي نعيشها، كي نشجع على العودة، ونحرّك عجلة السوق الراكدة منذ عام ونصف العام".
انتفضت رميش إذاً على الحرب، بروحية الميلاد، لم يصدق الأهالي أن الحياة بدأت تعود لطبيعتها. وتشير الحاج إلى أن السوق يشهد يومياً حضور ما يقرب من 1100 شخص، ولا يقتصر الحضور على أبناء رميش، بل يشمل أيضاً أبناء دبل وعين إبل المجاورتَين.
وأردفت قائلة: "نحاول أن نعيد الفرح إلى البلدة، ندرك أن الوضع غير مستقر، غير أننا نسعى لنعيش الميلاد بروحيته، ونركز على الأطفال الذين حرموا من الأنشطة لعام ونصف العام، وتأثرت نفسياتهم بالحرب".
ما سعت اليه الندوة الثقافية، بحسب الحاج، قد تحقق، وشكّل السوق الميلادي، الذي يضم مساحات متعددة من الفقرات المتنوعة، نافذة جديدة للإطلالة على ميلاد السيد المسيح الذي يرمز للحياة.
هو إعلان للفرح من بوابة الميلاد في رميش، البلدة التي تصر على استعادة عافيتها وترميم واقعها الاقتصادي والاجتماعي ولو بحذر، فالكل يطمح أن تعود الحياة ويعم السلام المنطقة، وتنفض القرى الغبار عن أتون الحرب ليكون الميلاد قيامة جديدة للحياة.