سامر زريق
نداء الوطن
يعد ملف الموقوفين الإسلاميين من أكثر الملفات الحافلة بالأشواك والمزدانة بالشعبويات. صعد نجمه غداة أحداث "11 أيلول" في أميركا، مع تحول الإسلام السني الجهادي إلى علامة تجارية رائجة في عوالم الإرهاب، استثمرها نظام الأسد في سنوات احتلاله الأخيرة، وأورثها "حزب الله" وبعض حلفائه الخُلُص، والأجهزة الأمنية التي تشبّع بعض أركانها بـ "العقيدة البعثية"، والتي نرى تجلياتها اليوم في السجون السورية، فراحت جميعها تستثمر بهذه العلامة لعقد صفقات سياسية ومالية مع المجتمع الدولي.
والحال أن هذا الملف لم يتحرك فجأة، بل إن سقوط نظام الأسد جعل صوته أكثر علوّاً، للمطالبة بتطبيق مفهوم "العدالة الانتقالية" بحق المتضررين منه، والذين "يصدف" أنهم سنة ومناصرون لـ "الثورة السورية"، ما جعل غالبيتهم عرضة لتركيبات درامية رديئة. وفي هذا الإطار، علمت "نداء الوطن" أن قائد عملية التحول في سوريا، أحمد الشرع، تمنى على الحكومة اللبنانية، خلال لقائه وفداً من "هيئة علماء المسلمين في لبنان"، إيجاد حل لهذا الملف، بما يسهم بتنقية العلاقات الثنائية بين البلدين الجارَين من الأدران التي ألحقتها بصمات "حزب الله"، مع تأكيده عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية.
والعدالة الانتقالية هي "مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تطبقها الدول لمعالجة ما ورثته من انتهاكات حقوق الإنسان" حسب تعريف "الأمم المتحدة"، لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة اللحمة إلى النسيج الاجتماعي. من الدلائل المشجعة على إمكانية تطبيقها، انتهاء عوائد الاستثمار في "الإرهاب السني"، بفعل ارتدادات "طوفان الأقصى"، والتي جعلت "الإسلام الخميني" بكافة أذرعه في المهداف العالمي، فمذاك لم تسجل أية عمليات اعتقال لإرهابيين مزعومين تحت عنوان "الأمن الاستباقي".
لذا، سعت جهات حقوقية إلى إقرار قانون خاص بهذا الملف وحده، بهدف إشعار المتضررين بنوع من الاهتمام المتأخر، بما يساعد في إزالة الحقد من نفوس المسجونين ظلماً، والذي قد يتحول لرغبة في الانتقام. بيد أن قضية الموقوفين الإسلاميين يحيط بها الكثير من الإشكالات:
أولها، التضخيم الإعلامي، بحيث يخال المرء أنهم بالآلاف، فيما عددهم الفعلي، حسب المحامي محمد صبلوح، المتخصص في حقوق الإنسان، هو 350 سجيناً، 170 سورياً، و180 لبنانياً وفلسطينياً من أبناء المخيمات، بينهم "معتقلو رأي" لتأييدهم "الثورة السورية"، وآخرون اعتقلوا بسبب كبسة "إعجاب" على منشور "سوشيالي" للقضية نفسها، أو لوجود أنشودة دينية على الهاتف!!
ويشتمل ذلك على من صدرت بحقهم أحكام، ومن لا يزالون قيد المحاكمة منذ سنوات، بسبب التلكؤ المتعمد للقضاء الواقع رهينة "حزب الله"، الذي حوّل المحكمة العسكرية إلى أداة لإجراء محاكمات عرفية، على غرار "الديوان العرفي" للوالي العثماني جمال باشا. وإذا كان الأخير لقب بـ "السفاح" لإعدامه 34 من النخب الثقافية، فبماذا نصف محكمة "حزب الله" التي أصدرت حكم الإعدام بحق 120 واحداً من أصل 350؟
لكننا نشكر الله أن لبنان ساير المجتمع الدولي بتعليقه تطبيق الإعدام، من أجل الحصول على تمويل لا يعلم أحد أين تبخر.
ثاني الإشكالات، هو عدم جدية الشخصيات السنية، لا في إنصاف المتضررين، ولا في إحاطتهم بـ "البيوعات" الحاصلة، كي لا تنزعج الأجهزة الأمنية فتتوقف الخدمات. عدم الجدية هذه تظهر بوضوح في التحركات الاحتجاجية، وآخرها كان يوم الأحد، حيث برز الافتقار لجهة راعية، تمنح القدرة على الوصول إلى الإعلام لتبيان المظلومية، أو تنبه لضرورة رفع العلم اللبناني.
ثالث الإشكالات، وجود مرتكبين لأعمال إرهابية، لكن نسبتهم لا تتجاوز 10% من الإجمالي، ولا يوجد أي جهة تريد إطلاق سراحهم.
رابعها، هو الخلط المتعمد، والذي تقف خلفه آلة "الحزب" الإعلامية، من خلال ترويج دمج الملف مع قضية الاكتظاظ الخانق في السجون، والذي بلغ 330% حسب وزارة الداخلية، فيما نسبة الموقوفين الإسلاميين 4% فقط من إجمالي عدد السجناء الذي يناهز 8000.
ومع ذلك، لا حل منفصلاً لقضية الإسلاميين، حيث تشير المعلومات إلى وجود 4 مشاريع قوانين يتم العمل عليها، لـ "تكتل الاعتدال"، والنائب أشرف ريفي، والنائبين عماد الحوت ونبيل بدر، والمؤسسة الدينية، مع وجود اقتراح بتوحيدها في مشروع واحد يخرج من "دار الفتوى" نحو "ساحة النجمة". وتتسق جميعها في تخفيف الاكتظاظ، من خلال تخفيض السنة السجنية إلى 6 أشهر، أو إعفاء ثلث المدة، مع استثناء دعاوى الحق الشخصي والمتهمين بالقتل والسرقة والاتجار بالمخدرات من الإفادة منه، وتحويل أحكام المؤبد والإعدام إلى 20 و 25 سنة سجنية.