النأي بلبنان عن المجريات السورية
النأي بلبنان عن المجريات السورية

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, December 8, 2024 5:04:00 PM

 

 

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

 

"لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون...."
هذا ما قاله الكتاب الكريم، وما هو ثابت بالعلم والاختبار، فالكرة الأرضية تدور وفق قانون دقيق، فتخلع عنها فصلًا وترتدي فصلًا، تودّع شمسًا وتستقبل قمرًا، تستيقظ فجرًا وتسامر النجوم ليلًا.

وثابت أيضًا في الأديان والعلوم الوضعية أنّ الكائنات تحيا في مواسمها، ونظمها، فحصاد القمح للصيف الذهبي، ولكل قطاف موعده المضروب؛ كما أنّ الأجسام تتغذى بالدماء التي تنظّم دورتيها مضخة القلب، والأنفاس تشهق وتزفر على إيقاع الرئتين.
قياسًا على ذلك، فإنّ كل إخلال بقوانين الطبيعة وأنظمتها هو تجديف ونكران جميل، وانتحار بطيء.

كل شيء في هذه الدنيا يصدأ، سواءٌ أكان حديدًا أم عضلات، وكل آلة آيلة للعطب، سواءٌ كانت محركًا أو عضوًا جسديًا، وهذا يقتضي أن تكون أدوات الحياة في حالة صيانة مستمرة وتجدد دائم.
إنَّ أعتم الظلام، ظلامُ العقول التي أقفل أصحابها عليها شبابيك النور والهواء،  وأسوأ النظر إشاحةُ نظرِ الحاكم عما يعانيه المحكومون.
إنّ كل من وصل الى السلطة، سواء بالانتخاب أو الانقلاب أو بحكم الجينات، وعد شعبه بالرفاهية والحرية والكرامة، ولكن عندما يفضي قصوره الفكري والأخلاقي إلى تعاسة هذا الشعب، يصف كل تململ خيانة، وكل تذمّر جريمة تستحق السجن الطويل كما حدث للمواطن اللبناني ذي الثمانية عشر عامًا الذي خرج من غيهبه وقد تخطى الستين دون أن يدري لذلك سببًا.

من أحمد شوقي إلى سعيد عقل إلى نزار قباني، تأرجحت الشام في أرجوحة العمر، من بستان هشام إلى ضفتَي بردى، من فتى الفتيان في حلب إلى عظمة ميسلون، من فارس الخوري إلى عبد الرحمن الكواكبي، من ياقوت الحموي إلى ضريح ابن الوليد، من ديك الجن الحمصي إلى بدوي الجبل، ينفسح التاريخ واسعًا حرًا، ثريًا، إلى أن ابتلينا بذلك "الزعيم" (أي حسني زعيم) الذي أغرى العسكر العربي بالانقلابات، في دوامة لا تنتهي، حيث ما زالت المحاولات جارية  على مدى عقود طويلة لحجز نهر بردى في قارورة الشعارات المتكلسة، وتحويل مجرى الفرات إلى سد الأكاذيب.

لا أملك من المعطيات السورية ما يساعدني على قراءة ما سوف يستجد من أحداث، ولكني على قلق من تداعياتها واحتمال تسرّبها إلى لبنان، فيما نحن لا نزال تداوي الجراح ونواري الشهداء ونرمّم القبور والبيوت... ولهذا فإنني أتوجه إلى الفئات السياسية قاطبة أن تتداعى لاتخاذ موقف وطني حازم ينأى بلبنان حكومة وشعبًا وأحزابًا عن تلك المجريات وإلا نكون كمن يشرّع أبواب بيته للإعصار؛ إنني أطالب الرئيس بري والرئيس ميقاتي وقادة الاحزاب الشيخ نعيم قاسم والدكتور سمير جعجع والاستاذ جبران باسيل والشيخ سامي الجميل وووليد بك جنبلاط وسليمان بك فرنجية والمرجعيات الروحية وسواهم، أن يتوجه كلّ من منبره إلى جمهوره بخطاب واحد فحواه أننا نتعاطف مع سوريا فيما تعانيه ونرجو لها سرعة الخروج من الصراع إلى حلّ سلمي يحفظ الأمان لها وللجوار، ويؤكد للشعب السوري الشقيق أننا لن ننخرط إطلاقًا في هذا الصراع....

كما أنني أخاطب الرئيس سعد الحريري في منفاه، لا لأطالبه بالعودة التي يبدو أنّ دونها عقبات غامضة وغير مسوّغة، ولكن لأطلب منه أن يصدر -إذا دعت الحاجة- في كل يوم بيانًا متلفزاً، يناشد فيه اللبنانيين، وعلى وجه أخص جمهوره الذي لا يزال يبحث عن مرجعيته المغيّبة، ينبّه فيه إلى أخطار الغرائز الطائفية، وعواقب التعصب، والاستجابة إلى دعوات التورط في النزاع الدائر، ويذكّر برفيق الحريري الذي استشهد من أجل لبنان يأتلف أبناؤه على السلام والمحبة والتنمية وعلاقات الأخوة العربية.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني