أسبوعان مرّا... 14 يوما من العذاب والانتظار... 336 ساعة من الشوق والأمل... 20160 دقيقة من الخوف والتخيلات المؤلمة... 1209600 ثانية من الألم والألم الى أن دقّت أخيرا ساعة الصفر وبعد فقدان الأمل ظهر ما كان بالحسبان، "عُثر على غسان حصروتي"!
هو غسّان الذي عمل طوال 38 عاما في غرفة عمليات اهراءات مرفأ بيروت... هو ذلك الرجل الكهل الذي أمضى حياته يفرّغ القمح في مرفأ أفرغته السياسة من ناسه وزحمته وتركته ركاما لا روح فيه!
"38 سنة بقي بيّي يفضّي قمح بالمرفأ حتى الناس تاكل... تحت القصف فضّى بيّي القمح ولو ما كان ينزل عالبور كل لبنان بوقتها ما كان أكل خبز"... عبارات قالها ايلي حصروتي بحسرة وهو ينتظر كلمة من أبيه أو عنه، كلمات خنقها أمل تلاشى مع مرور الأيام... أمل قتله الانتظار، وبين منطق العقل وألم القلب عاشت عائلة غسّان أياما مريرة تُوّجت برحيل الأب والجدّ والرفيق والحبيب...
"حكاية حُبَّك للكل حكيناها ... وحُبّك متل القمح هو حياة بكل الظروف. شكراً يا بابا"، هكذا وبهذه الكلمات ودّع ايلي والده بعد أن تبلغ بأنّه تم العثور عليه!
اتصال واحدٌ وضع حدّا للانتظار وفتح باب الألم... ألم عاشته العائلة مرّتين، الأولى في انفجار المرفأ والثانية في انفجار البلاغ!
غسّان فُقد مع "حرّاس القمح"، هم كانوا مجموعة من 7 أشخاص فقدوا في ذلك اليوم المشؤوم!
"آخر اتصال له معنا يوم الانفجار كان عند الساعة الخامسة والنصف عندما طلب منّا أن نحضّر له غطاء ووسادة، لأن عمله كان سيمتدّ لـ24 ساعة متتالية، وهو بعد التعب يجب أن يرتاح"، هذا ما روته تاتيانا ابنة غسان في احدى المقابلات المتلفزة.
هذا كان آخر اتصال... هو طلب وسائل للراحة بعد التعب... هو الذي أعطى سنين عمره للمرفأ أبى الأخير أن يرحل من دونه فتمسكا ببعضهما ورحلا بحثا عن الراحة الأبدية.
ما من كلمات يمكن أن تصف الألم الذي يلفّ هذه العائلة ويخنق اللبنانيين. هو الآن انتقل الى مكان أجمل وأرحم. الى اللقاء يا غسان في جوار الرب حيث تطوف روح بيروت الشهيدة وأرواح أبنائها... المسيح قام.