دوللي بشعلاني - الديار
فكرة التصعيد عند الجبهة الحدودية، مع اتخاذ حكومة العدو قرار القيام بعملية عسكرية واسعة على لبنان، رغم تحذير المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة الى "تلّ أبيب"، "الإسرائيلي" من الذهاب الى حرب موسّعة، نفّذ العدو بدايتها ربّما من خلال هجومه الإلكتروني على أجهزة الاتصال اللاسلكي على حامليه من عناصر حزب الله ومن مدنيين لبنانيين. وردّ الحزب الذي لم يُحدّد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله حيثياته، بل ترك الأمر "لما سيرون وليس لما سيسمعون"، لن يُثنيه عن جهوزيته عند مداخل الجنوب والبقاع الغربي، في حال قرّر العدو التوغّل البرّي الى لبنان لا سيما بعد عمليتي تفجير "البيجر"، والتوكي- ووكي من نوع "آي كوم. في 82" الثلاثاء والأربعاء الفائتين، واغتيال قائد قوّة الرضوان ابراهيم عقيل الجمعة المنصرم في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكلام "الإسرائيلي" عن أن "الجبهة الشمالية ستشهد تطوّرات أمنية خلال الأيام المقبلة".
وإذ يعتقد "الإسرائيلي" أنّ من شأن هجومه الإلكتروني الجبان على أجهزة الاتصال في لبنان، واغتيال عقيل سيُحقّق عودة السكّان الى المستوطنات الشمالية، فهو مخطىء، على ما أكّدت مصادر سياسية مطّلعة، لأنّ اعتداءاته المستمرّة على لبنان سيتمّ الردّ عليها. كما أنّ تفجير أجهزة الاتصال التي يملكها عدد من عناصر حزب الله، أو حتى اغتيال قائد فرقة الرضوان لا علاقة لأي منهما مطلقاً بإبعاد هذه القوّة عن الحدود الجنوبية، على ما يُطالب العدو، ويُهدّد بإحلال هذا الأمر عسكرياً. وما كان ينوي أن يحصل من التفجيرين أساساً، من قتل 5 آلاف شخص في دقيقتين، على ما ذكر السيّد نصرالله في خطابه الأخير، لم يتحقّق، وإن أدّى التفجيران الى استشهاد عدد من مقاتلي حزب الله ومن المدنيين، وإصابة الآلاف منهم في بعض المناطق اللبنانية.
فبحسب المعلومات، كان "الإسرائيلي" يعتقد، على ما أوضحت، أنّ الصفوف الأمامية من عناصر الحزب عند الجبهة الجنوبية تمتلك هذه الأجهزة. وبمجرّد تفجيرها وإصابة العناصر وتقطيع الأوصال فيما بينهم، ولجوئهم الى المستشفيات للمعالجة، تخرق قوّاته الحدود عن طريق توغّل برّي ما من أحد المداخل الرئيسية. غير أنّ هذا السيناريو لم يحصل، لأنّ حاملي "البايجر"، والـ "آي كوم" لم يكونوا من مقاتلي الجبهة، وليس من عناصر الحزب فقط، بل من الإداريين والمدنيين. لهذا، فإنّ الحلّ الأنسب هو العودة الى الاتفاق الموضوع على الطاولة، وربّما يسعى "الإسرائيلي" عبر كلّ ما قام به أخيراً الى جرّ الحزب مجدّداً الى التفاوض على الحدود. علماً بأنّه إذا اندلعت الحرب فسيتمّ في نهايتها العودة اليه، على ما أبلغ هوكشتاين "الإسرائيليين"، محذّراً إيّاهم من الذهاب الى توسيع الحرب لأنّها لن تؤدّي الى تحقيق الأهداف بل الى المزيد من الدمار، ومن التداعيات السلبية على المنطقة ككلّ.
وإذ تتذرّع الحكومة "الإسرائيلية" بأنّ هدف هذه الحرب هو إعادة سكّان المستوطنات الشمالية الى منازلهم بالدرجة الأولى، تشرح المصادر نفسها، بأنّ "الإسرائيلي" يسعى في الواقع الى خلق منطقة حدودية محروقة لتأمين أمن هؤلاء المستوطنين في الشمال وبقائهم فيها خلال السنوات المقبلة، أي عدم مغادرتهم الأرض في المستقبل القريب. إلّا أنّ هذا الأمر من الصعب تحقيقه حتى لو شنّ حرباً بريّة على لبنان، لأنّ الأرض المحروقة ستكون لدى الجانبين، أي ليس فقط في منطقة الليطاني جنوبي لبنان. رغم ذلك، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، عقب لقائه هوكشتاين، أن "العمل العسكري بات السبيل المتبقي لإعادة السكان لشمال إسرائيل". فهل لا يزال مقرّراً القيام بهذا العمل، بعد الهجوم الإرهابي الإلكتروني على أجهزة الإتصال في لبنان، واغتيال عقيل، أم أنّ هذه الاعتداءات هي بديلاً من العملية العسكرية الموسّعة أوتمهيداً للتوغّل البرّي جنوباً؟!
تُجيب المصادر السياسية أنّه إذا كان الهدف من الحرب الموسّعة فعلاً هو إعادة سكّان المستوطنات الشمالية، فالمنازل اليوم مدمّرة، وفق المعلومات، والعام الدراسي قد بدأ، وشنّ عملية عسكرية واسعة لإعادتهم ستستلزم أكثر من سنة، يكون عندئذ قد انتهى العام الدراسي. والإخفاق واضح في الحرب المستمرة على قطاع غزّة والتي ستدخل عامها الأول بعد أسابيع، من دون تحقيق الأهداف، لهذا فليس من فائدة من فتح جبهة حرب جديدة. وهذا يعني أنّ "الإسرائيليين" قد تأخّروا كثيراً لاتخاذ قرار العملية الموسّعة، إذا ما كان هدفها هو إعادة المستوطنين فقط. أمّا أن تكون الاعتداءات المتواصلة على لبنان هي بديل من العملية، فإنّ الأمر لا يبدو كذلك.
وأكّدت المصادر ذاتها أنّ حزب الله جاهز لأي اعتداء إسرائيلي، أجاء من البرّ أو من البحر، سيما وأنّ الحرب الموسّعة مؤجّلة حالياً، رغم إصرار نتنياهو على توسيع الحرب، لأنّها مرفوضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية. وتحدّثت المعلومات عن الجهوزية الكاملة لحزب الله لردع أي محاولة عسكرية للتوغّل الى داخل القرى الجنوبية، سيما بعد الكلام الذي قاله لواء الشمال أوري غوردون عن أنّهم جاهزون لاحتلال شريط أمني داخل لبنان... كذلك فإنّ المواقع "الإسرائيلية" في شمال فلسطين المحتلّة تتعرّض يومياً للقصف بالمسيّرات والصواريخ وهي غير آمنة لعودة السكّان اليها. وقد استحدث الجيش "الإسرائيلي" مواقع رديفة لها في الجبال والوديان، وقد تعرّضت أيضاً لضربات المقاومة. من هنا، فإنّ أي عملية أو محاولة من العدو لتثبيت قوّات من جيش الاحتلال في جنوب لبنان في مواقع معروفة واحتلال هذه المنطقة، وهي ذات بيئة معادية للاحتلال، كما هو معروف، ومنها تعمل المقاومة اللبنانية هي عملية شبه مستحيلة. ويضع الحزب في حساباته تحويل أي تقدّم من قبل جيش العدو في الأرض المكشوفة الى "توابيت متنقّلة".
وعن المسارات للتوغّل الى لبنان، ذكرت المصادر أنّها معدودة ومعروفة، وهي مُراقبة من قبل المقاومة طوال الوقت، ما يجعل مغامرة الدخول الى القرى الجنوبية عبرها، أو عبر إحداها، ستُشكّل مقبرة جماعية للإسرائيليين. وتقول انّنا نتحدّث عن محور الجنوب والشمال، فهناك محور شرق-غرب، وآخر شمال-جنوب. أمّا مدخل البقاع الغربي فيُعتبر القطاع الشرقي، والجنوب يُعتبر القطاعين الأوسط والغربي. وهي مداخل أو ممرات ثلاث للعبور الى لبنان، وقد استعملت مراراً في الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي عامي 1978، و1982. لكن الأمور تختلف اليوم، وإن كانت المسارات هي نفسها، وخصوصاً أنّها مضبوطة من قبل حزب الله بشكل قوي ومحصّن.
وإذا ما أراد "الإسرائيليون" القيام بإنزال بحري في مرفأ بيروت، على ما أضافت، فسيُشكّل هذا السيناريو مأزقاً آخر لهم. فعملية من هذا النوع هي عملية معقّدة، بحسب الخبراء، ولا يمكن أن تجري سوى بعدد كبير من القوّات، وهو أمر غير ممكن حالياً في ظلّ النقص في العتاد والعديد الذي يعاني منه جيش العدو، وهناك صعوبة أيضاً لتأمين التموين لها. وهي لا تصلح بالتالي سوى للعمليات العسكرية المحدودة فقط. ويبدو أنّ "الإسرائيلي" قرّر التهديد بتطوّر الوضع الأمني عند الجبهة الجنوبية، في حين أنّه يقوم بتسديد ضرباته الى الداخل.