جميعهم يخطئون في تطبيق ما يريدون تطبيقه
جميعهم يخطئون في تطبيق ما يريدون تطبيقه

خاص - Wednesday, July 24, 2024 1:28:00 PM

 مارفن عجور

جميعهم يردّدون مقولة 《 عامل كما تعامل 》 لكن لا أحد يطبّقها، كيف لنا أن نستنتج ذلك؟

إنّ ذلك القول المأثور المتناقل بين جميع الناس على هذه الأرض يطرح عدّة تساؤلات. إنّ الحياة العصيبة التي يمرّ فيها كلّ واحدٍ منّا على هذه الأرض وبخاصة عند لقائِهِ بعض البشر تدفعه لاتخاذ قراراتٍ مصيريّةٍ، فالبشرُ بطبيعتِهم محسنون ومسيئون لبعضهم بعض في الوقت نفسه. قد تقوم بعملٍ خيريّ مع أحد لكن لا يقدّره ولا يحاول إعادته لك عندما تمرّ بفترات صعبة من حياتك وبعدها قد تندم ندمًا شديدًا سائلًا نفسك : كيف خُدِعتُ أنا؟ هل أنا حقًّا أستحقّ ما حصل لي مع ذلك الشخص؟ ألم أركض لنجدتِهِ وإغاثته من محنتِهِ وهو عندما رآني أتقطع، أودّ أن أصرخ ليسمعني أحد فلا أجد سوى طريق خالية من الناس، تملؤها الشرور والأشباح لم يلّبِ ندائي؟ ، وما الأشباح هنا سوى حبال تكبّل الإنسان فيتعطّش للحرّية، حرّية أن يعبّر عن نفسه أمام الآخر الذي منحه تلك الحرّية في السابق، لكن إذا ربطنا تلك المشكلة بمقولة "عامل كما تعامل" فقد يكون الإختناق جيّدًّا إلى حدِّ سواء فلولاه لم يصل الإنسان إلى تلك المرحلة فهو أيضًا لديه كرامة ولا يتخلّى عنها لأناسٍ قد يبيعونه مذ تيّسرّ طريقهم وساروا نحوه بنجاح، هو أيضًا إنسان معبّر وحرّ، ولذلك قد يلجأ إلى تطبيق تلك المقولة، وإنّ، في تطبيقها، سيرتاح كثيرًا، إذ أن عقله يصبح فارغًا من هموم البشر، وأخبارهم الرتيبة، وفلسفتهم التافهة، والخوف من غضبهم. نعم! قد يرتاح كثيرًا، فلن يعود همّه سوى إرضاء نفسه بنفسه ولنفسه!

ولكن، المشكلة الأكبر، أنّه إذا مرّ وقتٌ طويلٌ على تطبيقه تلك المقولة والشروع فيها إلى أقصى الحدود قد ينسى طينته وقد لا يوازي بين الخير والشرّ وبين ما ينفعه ويضرّه. لن يكون جميع الناس المحاوطين لإنسان ما سيئين، إنّما هناك أناسٌ محسنون أيضًا، ويقومون بأعمالِ الخيرِ تجاهه لكنّه لا يقدّر ذلك بل يعاملهم أسوء معاملة وينظر إليهم تلك النظرة المستهجنة، وهنا يصير محدودَ العقل لا يفكّر أبعد من أنفه، بل يرى في ذلك تصرّفًا مميّزًا أن يظلم الجميع.

لرّبما يكون إنسان قد نَفَرَ من البشر ومن هذا العالم الهجين، ولا يحبّ التعلّق بأحدٍ، غير أنّه أخطأ في التمييز بين التعلّق وعرفان الجميل، وكما قلنا سابقًا أن قد يحاوط الإنسان أشخاصٌ ذا نوعين، نوع يتمنى لك الخير والآخر الشرّ، فليس على الإنسان سوى التحلّي بالحكمة كي لا يشمل التعلّق بردّ الخير بالخير. التعلّق بمفهومه الحيّاتي لا يجلب سوى الضرر. الخير وعرفان الجميل في مفهومهما الحياتيّ لا يجلبان سوى رضى الله وإكرامه كما أكرمنا أن نعيش الحياة وأن نفكّك ألغازها المعقدّة وأن نكون أذكياء لا سطحيين. ومن هنا، عندما يطبّق أحدهم مقولة عليه فهمها بشكل مناسب دون أن يخطئ فيها، وإن كان قد فهمها في البداية، إن تعمّق بها أكثر بشكلٍ سلبيّ سوف يضحي إنسانًا لا يميّز بين الحقّ والباطل، وبين المنطقي واللامنطقي، سوف يضحي إنسانًا خبيثًا هو أيضًا، غبيًّا بخبثه، لم يفهم منذ البداية معنى 《 عامل كما تعامل 》 لعلّه اعتقد أن المقولة تعني أظلم الجميع ودعهم يندمون كلّهم على صداقتك كما ندمت في السابق على صداقة بعضهم وليس كلّهم عندما قدّمت لهم قلبك فحطّموه.
ونسبةً إلى تفكيك مقولة عامل كما تعامل فإن شرحناها قد نرى أن عامل هو فعل أمر ينصحك بأن تعامل لكن كيف؟ يلي الفعل عامل "كما" وكما هنا أداة تشبيه تنصحك بأن تعامل أيضًا لكن كما ماذا؟ كما تعامل وتعامل يعني كما يعاملك الآخرون والطريقة التي يتعاطون بها معك.

《 عامل كما تعامل 》 كجملة 《 لكل مقام مقامه 》 أن تعامل الشر بشرّ أقلّ مضادة وبتصرّف ذكي هو ذكاءٌ وتطبيقٌ لتلك المقولة، أن تعامل الخير بخير أكبر هو ذكاءٌ وتطبيق لتلك المقولة، لكنّ أن تعامل الخير بالشرّ والشرّ بالخير فهما تصرّفان لا بدّ منهما لا يمتان للذكاء بصلة، لقد تغرق بجهلٍ عظيمٍ هنا وتدخل بكمّ هائل من التيه.
في الختام،جميعهم يقولون ما لا يطبّقون، جميعهم يتصرّفون وفق مقولة معيّنة أم قاعدة معيّنة فلا يرضونها، يسلبونها ويزرعونها في عقولهم فكرةً سلبيّةً تمنحهم طاقةً إيجابيّةً في الحقيقةِ سلبية إن أعادوا النظر بها. لذلك، في التطبيق الناضج، نجاحٌ حياتيٌّ مميّزٌ. وفي الموازاة، خلو العقل من الهموم، والتجرّد من أخطاء لا داعي لها.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني