ناقوس ومسؤولية.. وهذه المئة لا تكفي
ناقوس ومسؤولية.. وهذه المئة لا تكفي

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, July 14, 2024 2:34:00 PM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس  

تكرّم الشاعر العزيز المهندس الدكتور ابراهيم شحرور وأرسل لي مقطعاً من أمسية شعرية رائعة، جاء في إحدى رباعياتها:

قلّو الأحد للسبت..

يا مبارحْ انت الكنت حلم.. وصرت ذكرى

رد السبت..

شو هالحكي الجارحْ معليش، منشوفك.. بعد بكرا  

بدأت بهذه الابيات لأنني وجدت فيها وصفاً فنّياً طريفاً لحالتي النفسية، فأنا أكتب "الناقوس" بقلم السبت، وأذيعه بهواء الأحد، وأعود إليه في يوم الاثنين تدبيجاً لفكرة، أو اقتباساً لقول معجب، أو زفرة أسى، أو.... بحثاً عن طرفة ما تفترّ بها الشفاه عن بسمة محدودة الانفراج. لكن الذهاب إلى الفكاهة محفوف بالمخاطر، وفي هذا، يقول زياد الرحباني في برنامج "العقل زينة": كلّما شاهدت فلاناً وفلاناً، وهما ممثلان دراماتيكيان، أختنق من الضحك، فإذا شاهدت فلاناً آخر، وهو كوميدي مشهور، أَشْرَقُ بالبكاء. فالدعابات تحتاج إلى أصحاب موهبة، وذوق، ومهارة سير خطر بين حَدَّيِّ ترفيه المشاعر أو خدشها وإيذائها. والكوميديا قد تكون هذراً مقبولاً، وقد تكون كوميديا سوداء، تضحكك من الحلق، وتبكيك من القلب، ولهذا المضحكون قليل، والمهرّجون كثر. وهناك من سليمي الطوية من يظنّون أنهم يمازحونك فيما هم يؤذونك من حيث لا يدركون مدى سماجتهم. وفي التراث العربي أن الشاعر علي بن الجهم، مدح الخليفة المتوكل، فقال:  

أنت كالكلب في حفاظك للود

وكالتيْسِ في قِراع الخطوبِ  

فلم يعاقبه المتوكّل لمعرفته بأنه مدحه بما استقاه من بيئته، عن وفاء الكلاب، وعناد التيوس. 

وعن عثرات اللسان، حدّث ولا حرج، وكيف لي أن أنسى ما رواه المرحوم والدي، أنه قال أثناء تقديم العزاء: "كل عام وانتم بخير"، وأنني، ربما تأثراً به، قلت في عزاء آخر لابن الفقيدة" "مبروك".(أترى يظهر لي أبي في المنام ليعاتبني على نبش تلك القصة  من الذاكرة العميقة).

باختصار، ولكلّ ما تقدّم مرة أخرى، أشعر بالهمّ والمسؤولية تجاه السادة المستمعين، إذ ليس من السهل على المرء أن يديم التحدث كل أحد على مدى السنوات، في دقائق مضغوطة، دون أن يزل به قول، أو يصدر عنه أذى من حيث أراد الملاطفة، وقد قالت العرب: من أكثر أهجر. بل إن قلمي يحدّثني دائما ويقول: لا تكن كالفيل الذي يدخل إلى حانوت الخزف، فالمشاعر أرق من الخزف واللسان أطول من الخرطوم، وبناء عليه، أستشهد بفيروز:

قد أتاك يعتذرُ

لا تسله ما الخبرُ  

فربما كانت نواقيسي مدينة لكم بالاعتذار، لأنني أكثر من ذكر الأسماء وأستعمل التوريات ذات الدلالات الملتبسة، فتخونني الصنعة أحياناً، وأقع في فخ الاستظراف، وهو مرادف دقيق لثقل الظل.  

قبل الختام، أحدثكم عن الاحتفال ببلوغ المطران جورج خضر الثانية بعد المئة، حيث تكرّمت حركة الشبيبة الأرثوذكسية، ودعتني للمشاركة، تحت رعاية غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي ممثلاً بمتروبوليت جبيل والبترون وتوابعهما المطران سلوان موسى، وحضور المطارنة الأجلاء، وكان ذلك في رحاب جامعة الحكمة، حيث التقيت بقدامى الأصدقاء الأوفياء وكم سرتني رؤية الدكتور روجيه صايغ وزجته وهما على أتم الرونق. فقدّمت في تلك المناسبة شهادة شيخ جاوز عمر زهير، وتحدّثت عن مراهقتي العمرية والفكرية في كنف مدرسة مار الياس التي تلقّيت فيها علومي الابتدائية والثانوية، وشرحت كيف اطْمَأنّ قلبي إلى الدروس الدينية التي كان يلقيها علينا المطران جورج، وعن تاريخه وفكره في الحديث المطوّل مع سمير فرحات المنشور في كتاب بعنوان "هذا العالم لا يكفي"، ولقد ختمت خطابي بهذه الفقرة، إذ قلت:

"إنني اخترت لمداخلتي اليومَ عنوان "الجبّة الواسعة"، لا لمعناها المباشر أي الثوب الفضفاض أو العباءة التي يلتحفُها الصغار، كما كنت أفعل في عباءة جدّي أيام القرّ القارس، بل لمعنى أعلى لبسَه المطران جورج هو الكثرةُ في واحدٍ، ولهذا كان على خطابي أن يتقيّد بالأسماء الخمسة التي وجدتها متجسدة فيه جمعاً وتفصيلاً، فهو أبو الرعية، وأخو الكهنة، وحمو المكلّلين في سرّ الزواج المقدس، وفم الذهب وقلمه أيضاً، وذو الجُبَّة الواسعة التي تأوي إليها جميعُ الأسماء.

أفلا يحُقّ له، بعد هذا... وقبل هذا، أن يقول: هذا العالم لا يكفي.....؟

ألا يَحُقُّ لنا نحن أن نقول: هذه المئة لا تكفي."

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني