السعودية والبرازيل تتجهان نحو تعميق الشراكة الاستثمارية
السعودية والبرازيل تتجهان نحو تعميق الشراكة الاستثمارية

اقتصاد - Wednesday, June 12, 2024 10:28:00 AM

بلومبرغ 

الأولى مملكة صحراوية تنوع اقتصادها بعيداً عن الوقود الأحفوري، والأخرى دولة زراعية خصبة غنية بالمعادن. ورغم المسافة بين السعودية والبرازيل التي تتجاوز آلاف الأميال، إلا أن المصير يقرّب المسافة أكثر من أي وقت مضى.

بدأت العلاقة بينهما بتصدير الدجاج في سبعينيات القرن العشرين. والآن أصبحت هذه العلاقة وسيلة للدولتين ذات الثقل، لتنويع العلاقات التجارية وحماية الاقتصاد من المخاطر الجيوسياسية.

وفي حين لا تزال الصين والولايات المتحدة الشريكتين الكبريين بفارق كبير لكل منهما، إلا أن إجمالي التبادل التجاري بين المملكة وعملاقة أميركا اللاتينية بلغ نحو 7 مليارات دولار في العام الماضي.

ويرى "مركز الخليج للأبحاث"، وهو منظمة سعودية غير ربحية، أن هذا الرقم سيرتفع إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030، مع تعميق العلاقات بينهما، خاصةً مع إظهار البرازيل باستمرار استعدادها لتقديم المزيد لشريكتها العربية.

تستعد شركة "بي آر إف إس إيه" (BRF SA)، وهي واحدة من أكبر موردي الدواجن في العالم، للإعلان عن مصنع جديد في السعودية، من المرجح أن يقوم بإنتاج الدجاج محلياً للمرة الأولى، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. كما وقعت شركة صناعة الطائرات "إمبراير" شراكة مع المملكة للمساهمة في تطوير هذه الصناعة لديها.

مؤتمر ريو الاستثماري

يستضيف معهد مدعوم من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، البالغ حجمه تريليون دولار تقريباً، أول مؤتمر استثماري في ريو دي جانيرو خلال هذا الأسبوع يركز على أميركا اللاتينية.

وسيجمع الحدث بين الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ووزير ماليته فرناندو حداد مع مسؤولين سعوديين، من بينهم محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان. كما سيحضر المؤتمر الملياردير مارسيلو كلور، إلى جانب مسؤولين تنفيذيين كبار في شركات برازيلية، تشمل شركة التعدين "فالي إس إيه"، وشركة معالجة اللحوم "جيه بي إس إس إيه"، والعملاق المصرفي الرقمي "نو هولدينغز ليمتد".

كل هذا يأتي كجزء من جهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإنفاق تريليونات الدولارات على التحول الاقتصادي لبلاده، والذي يهدف إلى جعل الدولة الغنية بالنفط مركزاً لكل القطاعات؛ من السياحة والصناعة وتصنيع السيارات الكهربائية إلى الرياضة.

قال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في مجموعة "غولدمان ساكس"، في محادثة عبر الهاتف، إن تعزيز العلاقات مع البرازيل "ينبع من الرغبة في زيادة أهمية ووضع نصف الكرة الجنوبي كثقل معادل للهيمنة التقليدية للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية".

تسعى السعودية إلى جذب نحو 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية سنوياً لتساهم في تحقيق حلمها الاقتصادي، وهو ما يزيد بنحو ثلاثة أضعاف ما حققته من استثمارات أجنبية. وتبذل المملكة جهوداً منسقة لجذب الأموال الأجنبية، بما في ذلك تخصيص نحو 60% من أسهم "أرامكو" المعروضة للبيع، والبالغ قيمتها 11.2 مليار دولار، للمستثمرين الأجانب.

في الأسابيع الستة الماضية، قامت وفود من المسؤولين السعوديين بجولات عبر القارات، من آسيا إلى أميركا الشمالية، للترويج للمملكة كوجهة استثمارية جذابة. وقد أمضوا بعض الوقت في نيويورك واليابان وهونغ كونغ، كما استضافوا وفوداً من بريطانيا في الرياض.

التوجه نحو أميركا اللاتينية

وفي مؤتمر ريو، يتحول تركيز السعوديين إلى أميركا اللاتينية وأكبر اقتصاداتها. يقول سوسة إن "البرازيل لديها العديد من الصناعات التكميلية المفيدة للمملكة، ويمكن أن تكون حليفاً رئيسياً في الأمن الغذائي والمعادن".

يمثّل التعدين مجالاً ذا أهمية خاصة، فبحسب مسؤولين تمتلك السعودية أكثر من 1.3 تريليون دولار من المعادن في أراضيها. أغلقت شركة "منارة" للاستثمار المعدني، ومقرها السعودية، مؤخراً صفقة شراء حصة 10% في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة "فالي"، بقيمة بلغت 2.5 مليار دولار. وتُعد هذه أول دخول كبير للمملكة لقطاع المعادن العالمي، ومن المرجح أن تتبعها عمليات استحواذ أخرى، حيث تراقب "منارة" عن كثب لشراء المزيد من الأصول.

وبالنسبة للرئيس البرازيلي، الذي يحاول تحفيز النمو الاقتصادي لبلاده عبر السياسات الصناعية، فإن احتمالية زيادة تدفقات الاستثمار السعودي تمثّل فكرة جذابة له. فقد قام بزيارة للمملكة في نوفمبر من العام الماضي، وأجرى محادثات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما أخبر جمهور رجال الأعمال أنه في غضون عقد من الزمان "ستكون البرازيل معروفة من خلال الطاقة الخضراء السعودية".

استثمارات الغذاء

رغم ذلك، يُعد الغذاء العمود الفقري لعلاقة الدولتين. بلغت صادرات البرازيل إلى السعودية أعلى مستوى لها في عشر سنوات في عام 2023، حيث مثلت المواد الغذائية نحو 90% من إجمالي قيمة الصادرات البالغة 3.2 مليار دولار.

وقد اختارت المملكة البرازيل كشريك استراتيجي لها في هذا القطاع، وبالأخص عبر صندوق الاستثمارات العامة والشركة التابعة له؛ شركة الاستثمار الزراعي والحيواني السعودية "سالك".

اشترت "سالك" حصة تزيد عن 10% في شركة "بي آر إف" العام الماضي. وبحسب أشخاص اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم كون المفاوضات خاصة، فإن شركة الدواجن العملاقة ترى أنه يمكنها استخدام موقعها في المملكة، كمركز للشرق الأوسط الأوسع.

وذكر أحد الأشخاص أن إنتاج الدجاج محلياً سيكون أعلى تكلفة على شركة "بي آر إف" بسبب تكاليف استيراد الذرة لاستخدامها كأعلاف، وتكييف الهواء للتخفيف من الحرارة المرتفعة. رغم ذلك، فإن ارتفاع أسعار اللحوم المنتجة محلياً وظروف التمويل المتميزة، من شأنهما أن يجعلا الأمر يستحق العناء، كما أن الخطط المستقبلية للمنتجات ذات القيمة المضافة قد تعزز أرباح الشركة البرازيلية.

البرازيل هي المورّد الرئيسي للغذاء إلى دول منظمة التعاون الإسلامي، إذ بلغت صادراتها 23.4 مليار دولار العام الماضي، متفوقة على منافسين كبار مثل الولايات المتحدة وإندونيسيا وتركيا.

ولضمان استمرار تدفق المنتجات، أصبحت "سالك" أكبر مساهم في شركة إنتاج اللحوم "مينيرفا إس إيه"، إذ استحوذت على حصة 30%، وأبرمت عقد توريد يسمح للشركة السعودية شراء ما يصل إلى 25 ألف طن متري سنوياً.

وإضافة إلى ما سبق، فهناك الأسمدة. قررت شركة النفط المملوكة للدولة "بيتروليو برازيليرو إس إيه" (Petroleo Brasileiro SA) العودة لدخول السوق، إما مع شريك آسيوي أو من الشرق الأوسط.

وقد طرح لولا فكرة الشراكة مع السعودية خلال زيارته العام الماضي. وكانت شركة النفط العملاقة أكدت أن هناك مفاوضات في مرحلة مبكرة، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل. ويأتي تسريع المشاريع في هذا القطاع من ضمن مطالب لولا للرئيس التنفيذي الجديد للشركة، الذي سيكون حاضراً أيضاً في مؤتمر ريو.

استثمارات في قطاع الطيران

وفي قطاع الطيران، وقعت البرازيل والمملكة اتفاقية تعاون دفاعي لمدة خمس سنوات تشمل نقل التكنولوجيا وتمويل الأنظمة العسكرية.

وفي الوقت نفسه، توصلت شركة "إمبراير" إلى اتفاق مبدئي مع المركز الوطني للتنمية الصناعية لبناء طائراتها في المملكة. كما تعمل على إبرام صفقة لبيع 33 طائرة إلى السعودية، وتدرس إقامة مركز إنتاج جديد محتمل في المنطقة، حسبما ذكرت صحيفة "فولها دي ساو باولو" هذا الشهر.

تحرص خطة التحول التي وضعها ولي العهد السعودي، المعروفة بـ"رؤية 2030"، إلى جانب المساهمة في مجال الأمن الغذائي والطيران والتعدين، على جذب التكنولوجيا البرازيلية ورأس المال والأيدي العاملة، لتعزيز البنية التحتية وقطاعات الضيافة والإسكان والترفيه وقطاعات أخرى، وفقاً لبنك "بي تي جي باكشوال إي إيه" (BTG Pactual SA)، الذي افتتح مكتباً له في الرياض.

ذكر أدريانو بورغيس، الشريك في البنك المسؤول عن استراتيجية الاستثمار في الشرق الأوسط: "إنها دولة يبلغ عدد سكانها 36 مليون نسمة ولديها تحديات يجب تذليلها".

هناك أيضاً دفعة لاستثمارات أوسع نطاقاً، حيث يجري كلور، وهو المدير التنفيذي السابق في مجموعة "سوفت بنك"، محادثات مع مستثمرين سعوديين لإطلاق صندوق بقيمة 600 مليون دولار يستهدف قطاعي المناخ والطاقة في البرازيل. كما تعمل شركة "باتريا" للاستثمارات، وهي واحدة من أكبر شركات إدارة الأصول البديلة في أميركا اللاتينية، مع شركات محفظتها لتعزيز الاستثمار في المملكة أيضاً.

ألكسندر صايغ، الرئيس التنفيذي لشركة "باتريا"، قال في مقابلة هاتفية يوم الإثنين: "إن الأمر لا يتعلق فقط بتلقي رؤوس الأموال، سواءً للبرازيل أو لشركة إدارة الأصول باتريا"، بل يتعلق الأمر بـ"تبادل رأس المال".

في الوقت الحالي، تتجاوز استثمارات السعودية في البرازيل الاستثمارات البرازيلية في السعودية. إذ تلقت عملاقة أميركا اللاتينية استثمارات سعودية بقيمة مليار دولار في 2022، بينما استثمرت في السعودية 300 مليون دولار فقط، بحسب الغرفة التجارة العربية البرازيلية.

وقالت حنان الغامدي، التي تدرس العلاقات العربية مع أميركا اللاتينية في مركز الخليج للأبحاث: "على المدى الأبعد، قد نرى المزيد من الاستثمار البرازيلي المباشر يتجه نحو المملكة". وأضافت: "هناك اهتمام وإمكانات، لكنني لا أعتقد أن هذا سيحدث قبل بضع سنوات أخرى".

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني