حرب اقتصادية لكنها ليست باردة.. "الأمم الحرّة" تتوسل "الأنظمة الاستبدادية"
حرب اقتصادية لكنها ليست باردة.. "الأمم الحرّة" تتوسل "الأنظمة الاستبدادية"

خاص - Friday, May 31, 2024 12:21:00 PM

"للمرة الأولى تنضم بكين إلى موسكو في المطالبة بالامتناع عن ضم أعضاء جدد في التحالف.. إنها محاولة للتحكم بمصير أمم حرّة ولإعادة كتابة الأنظمة الدولية وفرض نموذجي حكمهما الاستبداديين"...  الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، مؤتمر ميونخ للأمن 19 شباط 2022

 

أعرب حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بصراحة عن قلقهما من الشراكة بين الصين وروسيا على مختلف الأصعدة، سيما بعد نشوب الحرب في أوكرانيا. في حين، أثنى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الالتزامات الصينية بالامتناع عن بيع أو تقديم أي أسلحة أو مساعدة لروسيا، وذلك خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى باريس.

وقد لمس شي، في مستهل جولته الأوروبية حزماً أوروبياً حيث شدّد ماكرون على أهمية اعتماد "قواعد عادلة للجميع" مع تصاعد الخلافات التجارية بين أوروبا والصين. من جهتها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في هذا الصدد أن "أوروبا لن تتردد في اتخاذ قرارات حازمة"، إذا لزم الأمر "لحماية اقتصادها وأمنها". وقالت: "لدينا مصلحة في إظهار أن تعاوننا يؤتي ثماره"، متحدّثة عن "التحدي" المتمثل في العلاقة الاقتصادية "الجوهرية" بين بروكسل وبكين، مطالبةً "بالمساواة في الوصول إلى الأسواق". وكانت فون دير لاين قد أشارت في وقت سابق إلى أن أوروبا لا يمكنها "أن تقبل بتجارة غير عادلة" ناجمة عن "تدفق السيارات الكهربائية والفولاذ الصيني المصنّع".

بيد أن فرنسا لم توفر مناسبة لإقناع بكين باستخدام علاقاتها الوطيدة بروسيا لحث الأخيرة على المضي قدماً في حلّ النزاع في أوكرانيا. وسعى شي خلال جولته الأوروبية، وهي الأولى له منذ نصف عقد تقريباً، إلى إعادة بناء العلاقات على وقع تصاعد التوترات عالميًا.

يبدو حتى اللحظة، أن أوروبا "تتوسل" الصين للتروي في المنافسة على المستوى التجاري، في الوقت الذي تغزو فيه بكين الأسواق بالسيارات الهجينة والكهربائية وباتت تشكل خطرًا حقيقيًا على اقتصاد القارة العجوز. ووسط التخوف الأوروبي من التراجع اقتصادياً والمنافسة الشرسة بين العم سام والتنين، فتحت بروكسل خلال الأشهر الماضية سلسلة تحقيقات بشأن حزم الدعم المباشر التي تقدمها الحكومة الصينية لبعض القطاعات الصناعية، خصوصاً صناعة السيارات الكهربائية والقطاع التكنولوجي. فقد أثار الدعم الحكومي هذا، قلق الأوروبيين والأميركيين الذي من شأنه، وبنظر الغربيين، أن يقوّض المنافسة وفرص الوصول إلى الأسواق وإلحاق ضرراً جسيمًا بالاقتصاد العالمي.

حرب اقتصادية.. ولكن ليست باردة

وفقًا لما أوردته وكالة "بلومبرغ"، فإن هناك مجموعة ضغط تجارية صينية تقول إن الصين قد تفكر جديًا في زيادة الرسوم الجمركية المؤقتة على السيارات المستوردة ذات المحركات الكبيرة إلى حدها الأقصى البالغ 25%.

وقد أوضحت غرفة التجارة الصينية لدى الإتحاد الأوروبي أن هذه الخطوة المحتملة سيكون لها تأثير على مصنعي السيارات الأوروبية والأميركية، وأنها تأتي بعد أن رفعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى 100%، بينما يحقق الإتحاد الأوروبي في المزايا غير "العادلة" المزعومة المقدّمة لشركات صناعة السيارات الصينية من خلال الإعانات الحكومية، بحسب بيان نشرته الغرفة التجارية الصينية.

أضحت اليوم السيارات الصينية تجذب الاهتمام العالمي بعد أكثر من قرن على سيطرة الأوروبيين والأميركيين على سوق السيارات، فالعيون شاخصة نحو السيارات الكهربائية الصينية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث تسيطر الصين على غالبية واردات البطاريات، وتنتج سيارات كهربائية أكثر من أي مكان آخر في العالم. ومع المنافسة بالأسعار وتباطؤ الاقتصاد في الداخل، تتوسع شركات صناعة السيارات الصينية في الخارج، مما أثار مزاعم بأن البلاد تقوم بتصدير الطاقة الفائضة للسيارات، مما أثار بالتالي مخاوف تتعلق بالأمن السيبراني في المركبات الذكية.
غير أن الناخبين يطالبون جو بايدن، بتوفير فرص عمل أكثر مقابل انبعاثات أقل، فيما الاعتماد على الإمدادات الصينية من التكنولوجيات والمعادن الحيوية على مدى طويل أمر استراتيجي غير مفلح، ويعرّض استقلالية السوق الأميركي الاقتصادية للخطر.

هذا وقد استوردت الصين حوالي 250 ألف سيارة بمحركات أكبر من 2.5 ليتر في عام 2023، وهو ما يمثل نحو 32% من إجمالي المركبات المستوردة. وبالمقارنة، صدّرت الصين حوالي 1.55 مليون سيارة كهربائية العام الماضي، ذهب نحو 638 ألف منها إلى أوروبا و52200 سيارة إلى أميركا الشمالية، حسب ما نقلت وكالة "بلومبرغ" عن بيانات الجمارك.

"باور أوف سيبيريا 2" لاستبدال السوق الأوروبية

توجه الكثيرون نحو مصادر الطاقة الرديفة والنظيفة في محاولة منهم لتخفيض فاتورة الطاقة مع الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط في السوق العالمية إبان الحرب الأوكرانية، وتخبّط الأسواق العالمية عمومًا والأوروبية خصوصًا. إلّا أن الأيّام التي تلت المراحل الأولى من الحرب، أظهرت أن الاعتماد التام على مصادر الطاقة النظيفة لا يزال يتطلب مزيدًا من الوقت والعمل لتهيئة البنى التحتية اللازمة، مما يجعل التخلّي عن مصادر الطاقة التقليدية بعيد المنال في المدى المنظور.

هذا ويشهد العالم مؤخرًا في هذا الإطار، حراكًا متزايدًا لترتيب عقود وصفقات لتأمين إمدادات النفط والغاز. فخط أنابيب "باور أوف سيبيريا 1" الذي يمد الصين بالغاز الروسي، حضر على طاولة البحث بين الرئيسين الصيني والروسي خلال زيارة الأخير لبكين حيث من المتوقع إطلاق مشروع خط نفطي آخر وهو "باور أوف سيبيريا 2"، حيث من المنتظر أن يزيد من واردات الصين النفطية الروسية، ويوفر سوقًا بديلًا للسوق الأوروبي بالنسبة لموسكو بعيد القيود والعقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي على الغاز الروسي.

فالصين تستقبل الغاز من شرق روسيا عبر خط غاز "باور أوف سيبيريا 1"، والذي بدأ تشغيله في عام 2019. وقد حمل ما يقارب 23 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى طاقته الكاملة البالغة 38 مليار متر مكعب في عام 2025. كما أنه من المتوقع أن يجلب خط "باور أوف سيبيريا 2"، 50 مليار متر مكعب إضافية من الغاز إلى الصين من الحقول في شبه جزيرة يامال في غرب سيبيريا، والتي كانت تخدم أوروبا سابقاً.

هذا وقد بدأت شركة "غازبروم" التي تعود ملكيتها للدولة الروسية، دراسة جدوى للمشروع في عام 2020، وتدفع نحو بدء العمل في خط الأنابيب بحلول عام 2030. وتأمل أن تحل الصين مكان أوروبا كأكبر سوق لتصدير الغاز، فيما اعتادت أوروبا على الاعتماد بشكل كبير على الغاز الروسي، إلا أن هذه التدفقات تضاءلت منذ شباط 2022 إبان الحرب الروسية – الأوكرانية.

"صداقة بلا حدود"

لا بدّ من الإشارة إلى أن انشغال أميركا والإتحاد الأوروبي بجبهتين، واحدة روسية وأخرى صينية، ستدفع موسكو وبكين إلى تنسيق أعمالهما بشكل أكبر، الأمر الذي يرعب الدبلوماسية الغربية حاليًا من النتيجة المحتملة لهذا التنسيق. فإذا ما ضغطت روسيا بشكل أكبر على أوكرانيا في الوقت نفسه الذي تتحرك فيه الصين نحو تايوان، فواشنطن لا تمتلك الهامش الدبلوماسي والعسكري العريض للرد على الأزمتين في وقت واحد، سيما مع الأحداث في قطاع غزة ودعمها شبه الكامل لإسرائيل. فتشتيت انتباه أميركا وشرذمة مواردها وأسلحتها هنا وهناك هو في صلب أهداف الصداقة اللامحدودة بين بوتين وشي.

من جهة أخرى، تظهر إلى العيان فائدة أخرى للصداقة هذه، إذ أصبح لدى روسيا الآن وجهة رديفة لغازها الذي كانت تستخدمه كوسيلة ضغط على الدول الصغيرة من خلال تغيير السعر الذي تفرضه، والذي إذا لم تبعه إلى أوروبا فسوف تكافح لإيجاد سوق لها، وبالمثل إذا حظر الغرب بيع أشباه الموصلات إلى روسيا فإن الصين ستكون مصدرا بديلا للإمداد من دون أي شك.

أما بالنسبة للصين فهي بحاجة الى روسيا، كون الأخيرة قوة عظمى يمكن لبكين أن تثق بها لتوفير نوع من الأجواء الآمنة والغطاء للتحرك بحريّة أكبر في المشهد العالمي، فضلًا عن أن روسيا تمدّ الأسواق الصينية بحاجتها من الغاز حيث من المتوقع أن يتنامى الطلب والحاجة إليه على وقع تطور قطاع إنتاج السيارات الكهربائية والقطاع التكنولوجي والذكاء الاصطناعي في الصين بشكل دراماتيكي في السنوات الخمس الأخيرة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني