مرليه وهبة - الجمهورية
يتساءل البعض ما إذا كان من حق المواطن رفع دعوى على الدولة، او هل من واجب هذا المواطن في كل مرّة يريد إنجاز معاملة ما ان يذهب في رحلة ومغامرة ورقية بين إدارات الدولة المختلفة؟ أليس من حق هذا المواطن المساءلة وليس السؤال، لماذا أُنشئ السجل التجاري؟ ولماذا في كل مرّة يريد إثبات هويته بالذهاب شخصياً للحصول على إخراج قيد على حسابه الخاص؟ غير انّ هذا المواطن ولعِلمه انّ دولته تعّوض عن تقصيرها في تقديم الخدمات العامة بتكليفه شخصياً الاستحصال على المستندات التي من واجبها هي ان تقدّمها اليه، انبرى يشتمها يومياً عندما تفرض عليه «برمة العروس» لإنجاز معاملة!
يبدأ لبنان تجربته الاولى في «المستندات الإلكترونية»، فهل ينجح في الامتحان؟
في هذا السياق، أطلقت وزارة العدل المرحلة الثانية من مشروع الأسناد المعروفة محلياً بالمستندات الرسمية الالكترونية، والتي تتضمن آليات وضع المرسوم قيد التنفيذ العملي في كافة الادارات التابعة لوزارة العدل. فكيف كان مسار التنفيذ العملي؟
في هذا السياق، يقول المحامي علي جابر لـ«الجمهورية»، وهو من ضمن فريق العمل الذي قام بإعداد وصياغة مرسوم «الإسناد الالكتروني»، انّ القانون بُني في الأساس على مرسوم صادر سنة 2018 لمعالجة المعاملات الالكترونية، ولكن كان يعالج المستندات غير الرسمية، الّا انّ المادة 8 من هذا القانون علّقت مفعول الاسناد الرسمية الالكترونية الى حين صدور مرسوم عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل. الّا انّ احداً لم يبادر الى تقديم اي اقتراح قبل ان يبادر وزير العدل الحالي الى تقديم اقتراح، كما انّ المرسوم تعرقل في مراحل عدة نظراً للتعقيدات الموجودة في موضوع المستندات الرسمية عموماً، بخاصة انّ الانتقال من المرحلة الورقية الى المرحلة الالكترونية يفرض التعاون في ما بين الوزارات بما يُسمّى «التبادل البيني»، هذا التبادل الذي تعاني الوزارات منه ورقياً وفي محاور عدة، مثلاً الوزارات التي كانت تتشابك في ما بينها حول الصلاحيات، ايضاً موضوع الورق الذي سيختفي تدريجاً وسيُستبدل بسندات الكترونية. وبالتالي المشكلة المطروحة هي كيف ستتمّ حماية هذه السندات الالكترونية؟ وهل انّ لبنان جاهز للتخلّص من الورق والانتقال الى المرحلة الالكترونية؟ وهل هناك جهوزية للموظفين في القطاع العام للانتقال الى هذه المرحلة؟ فهذه المشكلات هي التي أخّرت صدور هذا المرسوم على وزارات متعاقبة.
واضاف جابر: «بوصول وزير العدل هنري الخوري شكّل لجنة لتحضير اقتراح وهكذا كان. لكن المعضلة الأساسية كانت في المجلس الوطني للاعتماد، وهو هيئة توافق على اعطاء اعتماد «لمقدِّم الخدمات»، كما انّ صدور المرسوم سيؤدي الى ان يقوم كل من القاضي والموظف العام وكاتب العدل وموظف الضمان بإنشاء سند رسمي الكتروني عوض لصق الختم على ورقة عادية وتوقيعه، وهو أمر معقّد ويتطلّب وجود مقدّم خدمات موثوق يمكّنه من إنجاز السند، اي ان ليس في استطاعة الموظف التوقيع وحده فقط على الحاسوب بل عليه التوقيع عبر برنامج معقّد يتضمن خوارزميات معقّدة تضمن هوية الشخص الذي يوقّع على الورق لكي لا يكون خاضعاً للتزوير. ولأجل ذلك لا يمكن للموظف العام الاستعانة فقط بالحاسوب للتوقيع، بل هو في حاجة الى برنامج يقدّمه مقدّم خدمات معتمد من هيئات حكومية تمنحه شهادة الاعتماد، اي ان يكون مطابقاً للمواصفات من ناحية الأمان والحماية والفعالية».
ما هو المجلس اللبناني للخدمات؟
المجلس اللبناني للخدمات يتبع لوزارة الصناعة، التي رأت انّ هناك تعيينات موجودة داخل المجلس ووجودها إلزامي داخل الاسناد الرسمية، اي لا يمكن لأي وزارة إصدار اي مستند الكتروني الّا اذا كان مقدّم الخدمات المعتمد هو ايضاً معتمد لدى المجلس اللبناني للخدمات، وهذا هو الامر الذي عرقل ايضاً إقرار المشروع.
اما الامر الثاني، فهو عدم الدراية وعدم الإلمام بالتطور الالكتروني الهائل والسريع الذي سارت فيه اوروبا، وهو الامر الجديد على لبنان، وهي كانت التجربة الاولى له في موضوع المستندات الالكترونية، وخصوصاً انّ ادارات الدولة وإن كان البعض منها ممكنن، انما بطريقة بدائية مقارنة بالنظام العالمي. وإصدار سند الكتروني رسمي يعني انّ لبنان يلحق النظام العالمي الممكنن واختصار 40 سنة من التأخير بمرسوم! وهنا تكمن الصعوبة الأساسية. فهل ينجح لبنان في تجربته الأولى؟
فريق العمل التابع لوزارة العدل يقول أن لا امكانية للبنان بنسخ اي قانون عالمي، لأنّ طبيعة السند الرسمي العادي في لبنان يختلف كلياً عن المستندات الرسمية الالكترونية الموجودة في دول العالم، وعلى الرغم من انّ هناك اموراً مشتركة لكن للبنان خاصية معينة.
أما الصعوبة الأهم في المرسوم، بحسب جابر، انّه يجب تطبيقه على كل ادارات الدولة التي ليست كلها متشابهة في لبنان. ولذلك انشأ وزير العدل فريق العمل الذي استطاع بواسطته حل معضلة المجلس اللبناني للخدمات، بحيث انّ المجلس اللبناني للاعتماد وافق على منح الاعتماد الى مقدّم الخدمات من قِبل اي جهة لدول اوروبية مدرجة على لوائح المجلس، ليتمكن «مقدِّم الخدمات» من تقديمها للبنان الذي يُعتبر وجوده ضرورياً، لأنّه لا يمكن ان يقدّم لنفسه خدمات الكترونية، لأن ليس لديه بنية تحتية توائمها، كما انّ وزارة العدل استعانت بكل من هو على دراية بالموضوع الالكتروني والتشريعي، آخذة وجهات نظر مختلفة للتوصل الى مناقشة المرسوم. كذلك اعتمد وزير العدل استراتيجية مغايرة لتقديم الاقتراح، فجالت اللجنة على كافة الوزارات المعنية، كما أشرك وزير العدل الوزراء المعنيين اصحاب القرار بهذا المرسوم لإصداره، الامر الذي ساعد وسرّع في اقراره داخل مجلس الوزراء.
أهمية المشروع بالنسبة الى المواطن:
1- نقلة نوعية من ناحية تعاطي المواطن مع الدولة من حيث المعاملات.
2- توفير حتى 75% من قيمة المصارفات التي تصرفها الدولة لقاء تقديم الخدمات العامة الورقية.
3- إعدام فرص الرشى (المواطن يتعاطى مع آلة لا يمكن رشوتها).
4- خفض نسبة الفساد.
5- تسريع المعاملات جذرياً.
6- تبادل بيني (البيانات) بين الوزارات مثلاً (دعوى في المحكمة تتطلّب إفادة من الطبقتين الاولي والثانية ومن السجل العقاري ومن وزارة الداخلية للحصول على اخراج قيد لتقديم الدعوى اي «برمة العروس»، اي انّ المرسوم سينهي حقبة الوجع اليومي للمواطن).
ما دور السفارة الاميركية؟
استكمالاً لمشروع توقيع المستندات الالكترونية فطنت وزارة العدل بوجوب إيجاد طريقة لحفظها وادارتها، والّا لا يمكن تطبيقها لأنّ النصف الاول يتعلق بطريقة التطبيق، اما النصف الثاني فيتعلق بطريقة حفظ السند الالكتروني الذي يتطلّب مكننة شاملة وفق المعايير العالمية، عِلماً انّ وزارة العدل ستصدر اول سند الكتروني رسمي للتطبيق وسيكون لها خاصيتها، لأنّ اهم المحاكم الأساسية تابعة لوزارة العدل بكافة اداراتها من هيئة التشريع والقضايا والمحاكم وكتّاب العدل... وسيُحدث هذا الامر فارقاً كبيراً في كل تلك الادارات، إذ انّ البرنامج سيتمحور حول الادارة الداخلية للوزارة.
وفي هذا السياق، كانت وزارة العدل قد بدأت منذ عام 2018 بدعم من السفارة الاميركية والـINL، بعملية مكننة لمحاكم بيروت، لجعلها نموذجية، بدءاً من دائرة التنفيذ مروراً بمحكمة استئناف الجنح وصولاً في المرحلة الحالية الى قرار مكننة محاضر ضبط السير. وفي هذا السياق واستكمالاً لاطار التطوير الالكتروني لمخالفات السير، عُقد اجتماع في وزارة العدل الاسبوع الفائت مع وفد من السفارة الاميركية الداعمة للمشروع تمّ خلاله عرض للآلية الالكترونية المقترحة، كون فريق السفارة اشرف على مشروع أرشفة السجل التجاري المموّل من INL (مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون في سفارة الولايات المتحدة) لإيجاد حل شامل، حيث تضمن اقتراح مكننة شاملة لمحاضر الضبط بدءاً من الضابطة العدلية وصولاً الى المحكمة... وقد تمّ الاتفاق على تشكيل اللجان المشتركة اللازمة لإطلاق آلية تفعيل هذه الآلية وتطبيقها.