ليست المرّة الاولى او الوحيدة التي اسمع بها بأخبار المتحرشين، وبأخبار عن شباب، ورجال حاولوا التحرّش بفتاة، سواء كان في الاماكن العامّة، في الجامعات، في الشركات او على الطرقات، إلاّ انّ المحاسبة لا تزال حتى اليوم غائبة.
اليوم، روّت صديقة مقرّبة لي، تفاصيل ما حدث معها منذ ايام، على متن باص للركاب، وكيف تصدّت للموضوع. ربمّا تكون قصة "تافهة" بالنسبة للبعض، إلاّ انّها تلخص معاناة الكثير من الفتيات، منهنّ من تطوّرت "القصة" معهنّ الى أكثر من حدّ ما سنروي، ولم يستطيعنّ ايقاف ما يحصل.
على متن باص للركاب على خط طبرجا، جلست صديقتي إلى جانب احد الركاب، إذ انّ الباص كان ممتلئا ولا مكان للجلوس، إلاّ بالقرب من أحد الرجال الجالسين... رجل يقدّر عمره بعمر والدها.
هذا الرجل نفسه، وأمام أعين الجميع، قرّب عمدا يده شيئا فشيئا ليلمس فخذ الفتاة، ويحاول مداعبتها بطريقة غير لائقة مقزّزة وفور أن لمسها، صرخت صديقتي بكلّ قوّة ليبعد يده عنها. فارتعب وابتعد.
المشكلة لا تكمن هنا، بل بالركاب الذين لم يحرّكوا ساكناً امام ما حصل! لا بل أكثر، حينما وقفت صديقتي وصرخت، طلب منها صاحب الباص الاقتراب للجلوس الى جانبه في مقعد امامي فرغ فجأة، مطالبا ايّاها بالهدوء وعدم "افتعال فضيحة"!
"عيب تقولي"، "خلص قطعت" بهذه العبارات وغيرها، يحاول البعض "التكتّم" على الموضوع، ويعتقد هذا البعض أنّ الموضوع إذا لم يتطوّر، فهو مقبول او يمكن بكل بساطة التكتم عنه!
كلّا! ليس الأمر بمقبول ولا يجب ترك ايّ نوع من التحرّش يتمادى الى حدّ الاغتصاب حتّى يؤخذ على محمل الجد! كلّا! ليست "بسيطة" ولا "قطعت" ولا يحقّ لأيّ مخلوق كائنا من كان أن يتحرّش لا لفظيا ولا جسديا ويأتي من يقول للضحية "عيب تقولي"! لا "عيب" الاّ لـ"يلي بيعمل عيب" على رأي المثل الشعبي!
هذه قصة من مئة قصة تحصل يومياً على طرقات لبنان، وبالرغم من الحديث المتكرر عبر وسائل الاعلام، ومن اخبار التحرّش والاغتصاب اليومية التي تضّج بها مواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ انّ الوضع لم يتغيّر.
المشكلة أن هناك من لا يزال يعتبر عيبا رفع الصوت، يستقوي على الضعيف ويقف من دون أي حراك أمام الجلّاد! على مجتمعنا الذي لا يتوانى عن انتقاد النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، أن يخرج من ذكوريته... حان وقت ذلك".