بقلم : أنطوان غطاس صعب
في مسرحيّته الشهيرة "مريض الوهم"، يضع الكاتب الفرنسي "موليير" الشخصية المحورية في القصة وهو يُدعى "أرغان"، رجل ثري راجح العقل إلا فيما يتعلّق بوسواس صحّته. إذ انه يستحوذ على عقاقير لتنظيف أحشاء معدته، وأخرى لتنويمه نومات هانئة، ووصفات لتقوية بدنه الضّعيف للغاية وطرد الأفكار السوداوية من رأسه، ومجموعة كبيرة من الأدوية ووسائل الإستشفاء، في صراع دائم مع مجموعة أمراض يتوهّمها البطل في نفسه، حتى أصبح كلّ شيء يؤلمه، في حين أن لا شيء يؤلمه بالفعل. حتى وصل به الأمر إلى حدّ توزيج إبنته لطبيب، لأن ذلك مفيد لصحّته كما توهّم.
هي حالات نصادفها بإستمرار في حياتنا الإجتماعية، وخصوصاً مع تقدّم الطبّ وتوسّع ميادينه وإختصاصاته، ربما لأننا شعب يحبّ الحياة ونتعلّق بها حَدّ إستخدام مختلف الطرق لمحافظة على صحّتنا، ولو أننا من جهة ثانية لا نفارق بعض السلوكيّات المضرّة بها، التّدخين مثلاً.
وإذا أردنا أن نتعمّق أكثر في شخصية "مريض الوهم" ونُسقطها على واقعنا اليوميّ المعيوش، فإنه لا مجال للشّك في ما ينتابنا من "وساويس" وأفكار تجعلنا في نزاع حتميّ مع ذاتنا،لأننا شعب يدّعي بمعرفة كلّ شيء، الطبّ والغذاء والتكنولوجيا والسيّارات والعسكر والحروب، في حين أننا أعجز عن حلّ أبسط المشكلات التي تواجهنا، قاصدين الخارج وأساليبه لمحاولة معالجتها أو وضع الحلول لها.
وبدخولنا في لبّ الموضوع، من صدّق أن إقرار الموازنة في المجلس النيابي بالشكل الذي أُقرّت فيه، هو فِعْلٌ إيجابي لمصلحة الدولة، برفع الضرائب والرّسوم على أمل تحصيل أكبر نسبة ممكنة من الورادت إلى الخزينة، بينما نكون بذلك كبّدنا المواطنين ما لا طاقة لهم على تحمّله، في تطبيق لمقولة "موليير" نفسه : "يكاد الناس يموتون من علاجهم وليس من أمراضهم" ؟!
فالعلاج الذي إرتأته السلطة، حكومة ومجلساً نيابياً، في الموازنة، يكاد يقضي على شعب "دولروا" سلعه"، بينما يدفعون له بالليرة اللبنانية!
أما الجملة التي ختم بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نقاشات "الفولكلور" في ساحة النجمة : "إنتخبوا رئيس، وحلّوا عنّا"، فهي أيضاً ليست الحلّ، لأن العلاج لا يُختصر بملء الشغور في بعبدا، وإنما بسلّة إصلاحات بنيويّة تتناول تركيبة الدولة من ألفها إلى يائها، وهل نذكّركم أن "الإصلاح في النفوس قبل أن يكون في النصوص".
ان هروب دولتنا العليّة من الواقع إلى "المرض الوهمي" لتبرير فشلها، هو سبب كلّ أزماتنا الوطنية، وإذا كان "أرغان" زوّج إبنته لطبيب ليهتمّ بصحّته، فإن المسؤولين عندنا "زوّجوا بلدنا" للصناديق الدوليّة المانحة فقط لمصّ دمائنا لتحصيل أموال تسدّ بها الديون المستحقّة لهذه الصناديق.