عيسى يحيى - نداء الوطن
لم يكن علي الهقّ، إبن بلدة الكواخ البقاعية في الهرمل، آخر شهداء لقمة العيش والفقر الذي يتغلغل بين اللبنانيين، حيث يتفشّى الجوع، وتضيق حبال الأزمة المعيشية على رقاب الكثيرين من دون أفق حلّ، ويفتقد البعض "كسرة الخبز" في منزله لإطعام أولاده، واليأس يتسلّل بين النفوس وتزداد حالات الإنتحار بين اللبنانيين فيما المسؤولون يتنعّمون بالخيرات.
يصعب توصيف المشهد في بعلبك والبقاع عموماً هذه الأيام، فصرخات الأهالي من الجوع والفقر في أعلى معدّلاتها، والناس يئنّون تحت وطأة إرتفاع الأسعار التي تنهش جيوبهم من دون رحمة، فيما التحرّكات على الأرض تبقى خجولةً جداً بالرغم من كل الدعوات، وكأنّ من يرى تلك التحرّكات يشعر بأنّ بعلبك تعيش في عزّ بحبوحتها.
يوم الجمعة، إختار عدد من ابناء مدينة بعلبك والجوار رفع صوتهم من أمام مبنى محافظة بعلبك الهرمل، حيث نصبوا الخيم، إحتجاجاً على تردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية، مُطالبين المحافظ بالتحرّك لوقف العبث بأمن المدينة والتي تكاد لا تخلو ليلة من لياليها من إطلاق الرصاص والقذائف وترويع الآمنين. ودانت بعض المرجعيات الدينية تعرّض عدد من الشبان للمحافظ ببعض الهتافات، ما دفع تجمّع ثوّار بعلبك إلى الرد ّعلى مفتي بعلبك الهرمل الذي يُظهر وقوفه الدائم إلى جانب المطالب الشعبية، مُعتبرين أنّ منبر يوم الجمعة هو للرسول وليس لإرضاء رجل سلطة والدفاع عنه.
غلاء الأسعار وارتفاعها الفاحش بالتزامن مع وصول سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوياته، دفع ببعض الشبّان امس إلى تنظيم مسيرة، جابت شوارع مدينة بعلبك من ساحة الططري مروراً بساحة ناصر والسوق التجاري حتى ساحة القلعة. ووُجّهت الدعوات عبر وسائل التواصل الإجتماعي للتعبير عن رفض الواقع الذي وصلنا إليه، وانتشار البطالة في صفوف حملة الشهادات الجامعية من مختلف الإختصاصات والعمّال الزراعيين، وتدنّي قيمة رواتب الموظفين والأطباء وغيرهم.
وعند الساعة الثانية والنصف، إنطلقت المسيرة من ساحة الططري، حيث حمل عدد من الشبان نعشاً للتعبير الرمزي عن الحال التي وصلت إليها الليرة اللبنانية أمام الدولار، ولتشييع إختصاصات ومهن كثيرين أصبحوا بلا عمل أو مردود مادي، نتيجة الأزمة الراهنة. وجابت المسيرة سوق بعلبك، على وقع الأغاني الوطنية ورفع الأعلام اللبنانية، وناشد المحتجّون عبثاً أصحاب المحال لتسكير محالهم لساعة فقط، كردّ فعل على الأوضاع الإقتصادية السّيئة. ووصلت المسيرة إلى أمام قلعة بعلبك، وسط انتشار للجيش اللبناني والقوى الأمنية.
"الشعب يريد إسقاط النظام"،"ثورة ثورة يا شباب"،"علي الهقّ مش كافر" وغيرها من الشعارات التي ردّدها عشرات من الشبان خلال المسيرة، إضافة إلى المُطالبة بأبسط الحقوق التي بات اللبناني يحلم بها كالطبابة والإستشفاء، وإيجاد فرصة عمل. وفي هذا الإطار، رفعت إحدى المشاركات الصوت عبر "نداء الوطن" مُطالبة الدولة والمسؤولين بإيجاد الحلول، "فالناس ستبدأ بأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله"، حسب قولها، مُضيفةً بأن أبسط وجبة طعام كان الناس لا يعيرونها إهتماماً وهي "المجدّرة" أصبحت تُكلّف اليوم مبلغاً، في ظل إرتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية، وأكّدت أنّ السلّة الغذائية المدعومة التي تحدّث عنها وزير الإقتصاد لن تصل إلى المواطنين بسبب إحتكار التجّار وجشعهم.
وتأتي تحرّكات بعلبك أمس، وسط إرتفاع سعر صرف الدولار، فيما أسعار المواد الغذائية لا تزال تحافظ على ارتفاعها، وسط إنعدام القدرة الشرائية للكثيرين.