الأخبار
ما الذي حمل المستشار الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين على القدوم إلى لبنان، وهو تبلّغ مسبقاً بأن لا مجال لأي بحث حول الجبهة الجنوبية قبل وقف العدوان على غزة؟بحسب مصادر مطّلعة، فإن تل أبيب تضغط بقوة على واشنطن لإقناع المسؤولين اللبنانيين بمنع حزب الله من مواصلة عملياته، وإن ملف المستوطنين النازحين بات يشكل عبئاً ثقيلاً على حكومة الاحتلال. ومع أن نتائج زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لم تخرج حتى بوضع إطار زمني للعمليات في قطاع غزة، إلا أن احتمالات التصعيد دفعت الإدارة الأميركية إلى البحث عن مخرج يحقّق الهدف المطلوب. وبناءً عليه، تقرّر إيفاد هوكشتين على خلفية أنه يمكن المحاولة استناداً إلى نظرية «دخول الحرب على غزة مرحلتها الثالثة»، وقد روّج الأميركيون للخطوة باعتبارها تطوراً في موقف إسرائيل، وأنها «تمثل وقفاً فعلياً للعمليات العسكرية الكبيرة». وهو ما حمله هوكشتين معه إلى لبنان بحديثه عن ضرورة «وقف العمليات العدائية» مضيفاً إليه تفسيره المخادع، بأن الوضع في غزة سيتحول من حرب إلى منطقة عمليات عسكرية موضعية. وبالتالي، يعتقد هوكشتين، أن هذا «يمكن أن يُفسر بأنه وقف للحرب على غزة، وبالتالي، لم تعد هناك حجة عند لبنان لاستمرار تغطية عمليات حزب الله على الحدود».
ومع أنه سبق للموفد الأميركي قبل وصوله إلى بيروت أن اطّلع على «رسالة واضحة» تقول: «إن حزب الله غير مستعدّ للاستماع إلى أي كلام قبل وقف الحرب على غزة»، فإنه غامر بالمجيء، وحمل في جعبته «فكرة» تقول، بأنه كما سيتم وقف العمليات العدائية في قطاع غزة، فإنه يمكن الإعلان عن وقف العمليات العدائية من قبل طرفَي النزاع على الحدود بين لبنان وإسرائيل. وبناءً عليه، اقترح هوكشتين، أن يصار إلى وضع إطار للتفاوض على «آلية مضمونة لتطبيق القرار 1701 بما يسمح بوقف كل الأعمال العسكرية وعودة السكان إلى قراهم على طرفَي الحدود». وقالت مصادر مطّلعة إن هوكشتين حمل «ملفاً كبيراً لم يعرضه على المسؤولين الرسميين، لكن سرّبه إلى من يهمّه الأمر، وفيه تفاصيل عما يفترضه من خطوات عملانية تضمن التطبيق الكامل للقرار الدولي مع ما يفترضه من خطوات تستهدف المقاومة عملياً، ولكنه وضعها في سياق نزع المظاهر والمنشآت المسلحة من منطقة جنوب نهر الليطاني».
ووفق التفسيرات الأميركية، فإن هذه الخطوة، تسمح عملياً بالشروع في مفاوضات مكوكية تهدف إلى البتّ في النزاع القائم على النقاط البرية وإنجاز ما يسميه هو بالترسيم البري. وهو ما أثاره في محادثاته في بيروت أمس، مع التأكيد على أن «فكرته لا تشتمل على مزارع شبعا التي لها وضعها الخاص».
وعلمت «الأخبار» أن حزب الله كان قد أعاد التأكيد أمام كلّ المسؤولين في الدولة اللبنانية والقوى السياسية الأساسية وكل الجهات المتواصلة مع الجانب الأميركي، أنه «لا مجال لأي نوع من النقاش إلا بعد التوقف التام والنهائي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن المقاومة لن تتوقف عن مساندة غزة تحت أي ظرف».
وبعد اجتماعات عدة عقدها مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وقائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري، قالت مصادر مطّلعة إن هوكشتين «أثار عدة نقاط، بينها البحث عن حل سياسي يؤدي إلى وقف إطلاق النار، أو حصر المواجهة في مساحة محددة في حال لم تتوافر ظروف الحل السياسي، ثم معالجة النقاط العالقة على الحدود بعد وقف إطلاق النار في غزة وانسحاب ذلك على لبنان».
وقالت المصادر إن هوكشتين «لم ينقل رسائل تصعيد من كيان الاحتلال، بل تعمّد الإشارة تكراراً إلى أن هناك ليونة في إسرائيل كتلك التي شعر بها في لبنان، وأنه تحدّث عن إعادة الاستقرار إلى جنوب لبنان دون الدخول في تفاصيل ترسيم الحدود».
وفي هذا الإطار، نقل زوار الرئيس بري قوله إن «هوكشتين لم يحمِل طرحاً محدداً متكاملاً، بل حمل طرحاً تدريجياً مرتبطاً بوقف العمليات العدائية في غزة»، إذ يعتبر أن «وقف هذه العمليات حكماً سينعكس وقفاً لإطلاق النار في جنوب لبنان». وأكد بري أن «الموفد الأميركي لم يتحدث عن انسحاب لحزب الله من جنوب الليطاني»، لافتاً إلى أن «لبنان يؤكد تنفيذ القرار 1701 وإلزام إسرائيل بتنفيذه»، وقال إن «لا كلام عن تثبيت نقاط لأن الحدود البرية معروفة ومثبتة وفق اتفاقيات دولية»، حاسماً أن «لا تفاوض من دون مزارع شبعا»، مشيراً إلى أنه «لم ينقل أي موقف إسرائيلي وهو عائد إلى الولايات المتحدة». وعُلم أن التواصل بين بري وهوكشتين استمر عبر نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب حتى وقت متأخر من مساء أمس.
وفي وقت لاحق، صدر بيان عن وزارة الخارجية الأميركية قال إن هوكشتين استهدف من لقاءات بيروت «دفع المناقشات لاستعادة الهدوء على طول الخط الأزرق، وأكدت أن الولايات المتحدة أوضحت أنها لا تدعم امتداد الصراع إلى لبنان».
من جهة ثانية، وصلت إلى بيروت أمس السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون، خلفاً لدوروثي شيا. وكانت جونسون قد عملت في سفارة بيروت بين عامي 2002 و2004. كما شغلت بين عامي 2018 و2021، منصب السفير الأميركي في جمهورية ناميبيا. ومن أبرز المواقع التي عملت فيها: مدير شؤون الشرق الأوسط في «مجلس الأمن القومي» ومدير مكتب المخدرات الدولية وإنفاذ القانون لأفريقيا والشرق الأوسط. وجونسون تحمل درجة الماجستير في العلوم في إستراتيجية الأمن القومي من «كلية الحرب الوطنية».