عماد مرمل - الجمهورية
بعد اغتيال العدو الاسرائيلي القائد الميداني في «قوة الرضوان» ضمن «حزب الله» وسام طويل، والهجوم النوعي الذي شنّته المقاومة على قاعدة ميرون الجوية، أيّ مسار ستتخذه المواجهة وهل ستبقى تحت السيطرة؟
يبدو أنّ تل أبيب العاجزة عن تحقيق انتصارات واضحة على الأرض، سواء في قطاع غزة او عند خط الحدود مع لبنان، تحاول التعويض عن ذلك باستهدافات موضعية عبر اغتيال شخصيات وازنة ولها حضورها الرمزي والميداني.
وضمن هذا السياق، أتى اغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني السيد رضي موسوي في دمشق ثم نائب رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» صالح العاروري في الضاحية الجنوبية وصولاً الى القيادي العسكري في «قوة الرضوان» وسام طويل (الحاج جواد) الذي استهدفته غارة في خربة سلم، الى جانب الملاحقات المستمرة لقياديي ومسؤولي كتائب القسام داخل قطاع غزة.
ويستفيد العدو الاسرائيلي في تنفيذ عملياته هذه من قدرته على الاختراق الاستخباري وإمكاناته التقنية، مُفترضاً انه يستطيع عبر تلك الضربات استعادة قوة الردع المتآكلة والتخفيف من وطأة إخفاقاته الميدانية على جبهات القتال.
لكن، وعلى رغم من انّ الاغتيالات مؤلمة ولا يمكن التقليل من شأنها، الا انّ العارفين بتركيبة جسم المقاومة في غزة ولبنان يؤكدون انها لا تغيّر شيئاً في موازين القوى على الأرض وفي المعادلات التي أرسَتها المواجهة المستمرة منذ 7 تشرين الأول. وبالتالي، فإنها لن تبدّل في طبيعة المأزق الأساسي الذي يواجهه الاحتلال في معركته مع حركة «حماس» و»حزب الله»، إذ لا هو يستطيع السيطرة على قطاع غزة بعد نحو 100 يوم من القتال ولا هو يستطيع إعادة المستوطنين النازحين من شمال فلسطين المحتلة الى مستعمراتهم.
ومع استهداف المسؤول الكبير في «الرضوان» يكون الاحتلال قد رفع منسوب الغليان الميداني ودفعَ أكثر فأكثر في اتجاه التصعيد العسكري الذي يظلّ مفتوحاً على احتمال التدحرج نحو الحرب الواسعة في ظل بيئة ملتهبة، وإن يكن لكل من الحزب والكيان حساباته التي لا تزال تؤخّر هذا السيناريو، مع الاخذ في الاعتبار انّ بنيامين نتنياهو الذي زار أمس كريات شمونة في الشمال لرفع المعنويات، قد تكون لديه قابلية في لحظةٍ ما لخَوض مغامرة قلب الطاولة ربطاً بمصالحه الشخصية.
وبعد استشهاد طويل، يبدو «حزب الله» أمام خيارين: فإمّا أن يضع استشهاده في سياق أثمان الحرب وتضحياتها بحيث يأتي حجم الرد الميداني بناء على هذا المعيار وضمن حدوده، وإمّا ان يعتبر ما حصل خرقا جديدا لقواعد المعركة، يستلزم ردا نوعيا ومختلفا يُعيد تصويب توازنات الجبهة الجنوبية.
واذا كانت مصادر اسرائيلية قد ربطت اغتيال طويل بدور مفترض له في قصف قاعدة «ميرون» الاستراتيجية الجوية بـ 62 صاروخا، فإنّ هذا الاتهام وما لحقه من اغتيال يؤشّران إلى الأثر الموجِع الذي تركه الهجوم على تلك القاعدة الحيوية لدى قيادة الاحتلال التي تعتبر انّ ما جرى شكّل تطورا دراماتيكيا في مجريات المواجهة.
ويكشف المطلعون انّ الحزب اختار للرَد على اغتيال العاروري في الضاحية هدفاً مدروساً بعناية، يضمن وصول الرسالة، من دون الانزلاق الى الحرب الشاملة.
ويلفت هؤلاء الى انّ مهاجمة قاعدة ميرون، الوحيدة من نوعها في شمال فلسطين المحتلة، جمعت بين قرار الحزب الحاسم بعدم السكوت على جريمة الاغتيال في الضاحية وبين حرصه في الوقت نفسه على تفادي إعطاء العدو ذريعة لشن عدوان كبير ضد لبنان انطلاقاً من مراعاة الوضع الصعب للبلد وأزمته الاقتصادية.
ويشير العارفون الى انّ رسالة الحزب التي يُفترض ان تلتقطها قيادة الاحتلال الاسرائيلي تفيد بأنّ مَن قصف قاعدة ميرون الجوية بـ 62 صاروخاً كان يمكنه ان يقصفها بعدد أكبر بكثير من الصواريخ، ومَن أصابَ بدقة عالية قاعدة عسكرية بهذه الأهمية يمكنه ان يصيب بالدقة نفسها أهدافاً أخرى أشَد حساسية تقع في عمق جغرافي أكبر داخل الكيان. وبالتالي، فإنّ هذه العملية هي نموذج تطبيقي عمّا سيواجهه العدو في حالة المواجهة الكبرى.
ويشدّد هؤلاء على أن الحزب جاد في منع الإخلال بتوازن الردع الذي كان يحمي العمق اللبناني، ولن يسمح بأن تعصف به رياح التحولات بعد اندلاع الحرب، ولذلك لم يكن بمقدوره التساهل بتاتاً إزاء الغارة التي استهدفت الضاحية.